للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها؟ وجب أن يرتب فنقول: إن قلنا: المؤداة لا يؤذن لها فالفائتة أولى، وإن قلنا: يؤذن ففي الفائتة خلاف. ولو أقيمت الفائتة جماعة فلا جريان للقول الثالث.

واعلم بعد هذا أن قول المصنف: (في صلاة الفائتة المفروضة ثلاثة أقوال) لفظ (المفروضة) مستغني عنها فإنا عرفنا بالتقييد سابقاً أن غير المفروضة لا أذان لها إذا كانت مؤداة فكيف يتوهم لها الأذان إذا كانت مؤداة فائتة ثم قوله: (فيه ثلاثة أقوال: في الثالث يقيم ولا يؤذن) يقتضي أن يكون أحد الأقوال أنه يؤذن لها.

والثاني: أنه لا يؤذن لها ولا يقيم.

والثالث: ما ذكره، وتكون هذه الأقوال حينئذ على مثال ما قدمته في جماعة النِّسَاء لكنه سهو هاهنا بلا شك، فقد أطبقت النقلة على أن الفائتة يقيم لها وإنما الأقوال في الأذان، وأن ثالثها الفرق بين أن ينتظر حضور جمع أو لا ينتظره، وقد نقلها المصنف على الصحة في "الوسيط" فقال في "الجديد": يقيم ولا يؤذن، وفي "القديم": يقيم ويؤذن، وفي "الإملاء" إن انتظر حضور جمع أذن، إلا اقتصر على الإقامة، وهي متفقة على أنه يقيم لها، وهذا كله في الفائتة الواحدة، فإن كانت عليه فوائت وقضاها على التوالي ففي الأذان للأولى هذه الأقوال، ولا يؤذن لما عداها بلا خلاف، ويقيم لكل واحدة منها الأولى وغيرها. وعند أبي حنيفة: يتخير فيما بعد الأولى إن شاء أذن وأقام، وإن شاء اقتصر على الإقامة. ولو وإلى بين فريضة وقت وفائتة فإن قدم فريضة الوقت أذن وأقام لها واقتصر على الإقامة للفائتة، وإن قدم الفائتة أقام لها، وفي الأذان الأقوال. وأما فريضة الوقت فقد قال في "النهاية": إن قلنا: يؤذن للفائتة فلا يؤذن للمؤداة بعدها كيلا يتوالى الأذانان، وإن قلنا: يقتصر للفائتة على الإقامة فيؤذن للأداء بعدها ويقيم.

والأظهر: أنه يقتصر لصلاة الوقت بعد الفائتة على الإقامة بكل حال؛ لحديث أبي سعيد الخدري، فإنه لم يأمر للعشاء بالأذان، وإن جمع بين صلاتي جمع لِسَفَرٍ أو مطر فإن قدم الأخيرة إلى وقت الأولى كتقديم العصر إلى الظهر فيؤذن ويقيم للأولى، ويقتصر للثانية على الإقامة، لما روى أنَّه -صلى الله عليه وسلم-: "جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَذَانٍ وَإقَامَتَيْنِ" (١)، وأيضاً فإنه لو أذن للثانية (٢) لأخلَّ بالموالاة وهي مرعية عند التقديم لا محالة، وإن أخر الأولى إلى وقت الثانية كتأخير الظهر إلى العصر أقام لكل واحدة منهما، ولم يؤذن للعصر محافظة على الموالاة.


(١) قال في الخلاصة (١/ ١٠٠) أخرجه مسلم من رواية جابر -رضي الله عنه- في حديثه الطويل.
(٢) في ط للفائتة.

<<  <  ج: ص:  >  >>