للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضاً يؤَثِّر علَى ما ذكرنا في نكاح المحلِّل، وَهَذَا الخلافُ في تأثيره في فسادِ العَقْد، وفي إثبات الخِيَار، فأمَّا في الرُّجُوع بالمهر، إذا قضينا بالرجوع على الغَارِّ [فالتغرير] (١) السابق كالمقارن هكذا نقل صَاحِبُ الْكِتَاب وَحَقَّقَهُ الإِمَامُ فَقَال: لاَ يُشْتَرَطُ في تصوير التَّغْرِيرِ دُخُولُ الشَّرْطِ بَيْنَ الإيجَابِ والقَبُول، ولا صُدُورُهُ مِن العَاقِد؛ أَلاَ تَرَى أنَّنا نضمْنَ [الكتابية] (٢) والأمة إذا كان التغرير منْهما، وليْسَا بعاقِدين، ولكن يُشْتَرط إتصِاله بالعَقْد، فلو قال: فلانةٌ حُرَّةٌ في معْرِض الترغيب في النِّكَاحِ، ثُمَّ تزوَّجها على الاتصال إما بالوكالة أو بالولاَيَةِ، فهذا تغريرٌ ولم يقصد بما قاله تحريض السامع، واتَّفَقَ بعد أَيَّامٍ أَنَّهُ زوَّجها من سمع كلامه، فلَيْسَ مَا جَرَى بتغرير، وإن ذَكَرَهُ لا في مَعْرِض التحريض، وجرى العَقْدُ على الاتصال، أو ذكره في مَعْرِضِ التَّحْرِيضِ، ولكن جَرَى الْعَقْدُ بَعْدَ زَمَانٍ فَاصِلٍ، ففي كونه تَغْرِيراً تردُّدٌ، ويشبه ألاَّ يعتبر الاتصالُ بالعَقْدِ عَلَى ما يقتضيه إطلاقُ صَاحِب "الكِتَابِ" وكان سببُ الفَرْقِ بين التأثير في الفساد أو في إثبات الخيار، وبين التَّأثِيرِ فِيَ الرُّجوعِ أَنَّ تعلُّق الضَّمَانِ بالتَّغرِيرِ أَوْسَعُ بابًا؛ وَلذَلِكَ ثَبَتَ الرُّجُوعُ علَى قولنا بمجرَّد السكوت عن عيب المنكوحة، إذا قدّم [الطعام إلى المالك، فأكله، وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُقدِّم] (٣) في قول واللهُ أَعلَمُ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (فَرْعٌ) إِذَا غُرَّ بِحُرِّيةِ أَمَةٍ فَوَلَدَتْ انْعَقَدَ الوَلَدُ حُرّاً وَعَلَى الْمَغْرُورِ قِيمَتُهُ للِسَّيِّدِ إِذْ فَاتَ رِقُّهُ بِظَنِّهِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ حُرّاً أَوْ عَبْداً وَيرْجِعُ به (و) عَلَى الغَارِّ قَوْلاً وَاحِداً، وَإنَّمَا يَرْجِعُ إِذَا غَرِمَ، وَإِنْ كَانَ المَغْرُورُ عَبْداً تَعَلَّقَ القِيمَة بِرَقَبَتِهِ فِي قَوْلٍ، وَبِذِمَّتِهِ في قَوْلٍ، وَبِكَسْبِهِ في قَوْلٍ، وَالمُسَمَّى مِنَ المَهْرِ إِذَا لَزِمَ تَعَلَّقِ بِكَسْبِهِ، وَحَيْثُ لاَ يَلْزَمُ فَمَهْرُ المِثْلِ تَجْرِي الأَقْوَالُ الثَّلاَثةُ فِي مُتَعَلَّقِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الغَارَّةُ هِيَ الأَمَةَ تَعَلَّقُ عُهْدَةُ الزَّوجِ بِذَمَّتِهَا (و)، وَالمُكَاتَبَةُ كَالأَمَةِ إِلاَّ أَنَّ لاَ مَهْرَ لَهَا فَإنَّهَا الغَارَّةُ المُسْتَحِقَّةُ وَالسَّيِّدُ لاَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّغْرِيرُ لأَنَّهُ إِنْ قَالَ: إنَّهَا حُرَّةٌ عَتِّقَتْ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصودُ الفَرْع الكلامُ في ولَدِ المغْرُورِ بالحُرِّيَّة، فإِذا غَرَّ الرَّجُلُ بِحُرِّيَّةِ امرأة، فَبَانَتْ أَمَةً، وحكمنا بصحة النكاح (٤)، فأولادُه الحاصِلُون منْها قبْلَ العِلْم بالحالِ، أحرارٌ؛ لظَنِّهِ الحرِّيَّة، كما لو وطئَ أَمَةَ الغَيْرِ علَى ظَنِّ أنها أَمَتُهُ، أو زوجَتُه الحُرَّةُ، ولا فَرْقَ في ذلك بيْن أن يجيز العقْدَ أو يفْسَخَ، إذا أثبتنا له الخيار، وكذلك لا فرق بين أن يكونَ الزَّوْج المغْرُورُ حُرَّاً أو عَبْداً؛ لاستوائهما في الظَّنِّ، وعند أَبِي حَنِيْفَةَ إنْ كان الزوْجُ


(١) في ز: فالتصوير.
(٢) في ز: المكاتبة.
(٣) سقط في ز.
(٤) وهو الأَظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>