للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبداً، فالأولادُ أَرِقَّاءُ، واحْتَجُّ الأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالُوْا: مَنْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ حُرَّاً تَلِدُ لَهُ الرَّقِيقَةُ عِنْدَ الغرور حُرّاً كالْحُرِّ، ثُمَّ يجبُ على المَغْرُور قيمةُ الأولادِ لسَيِّد الأمة؛ لأن رِقَّ الأم يقتضي رِقَّ الولد، وإنَّما انْعَقَدُوا أحْرَاراً بِظَنِّهِ، فكأنه فوَّت على السيد رِقَّهم.

وَحَكَى الحَنَّاطِيُّ قَوْلاً: أنه لا يجبُ قيمةُ الولدِ، والمغرورُ معذورٌ في ظَنِّ الحرِّيَّة، وعلى الأوَّلِ، وهو المذْهَبُ: إن كان المغرور حُرَّاً، فالقيمةُ في ذمته مستقرةٌ مأخوذةٌ من مَالِهِ، وإِن كَانَ عَبْداً، ففي [متعلَّق] (١) القيمةِ ثلاثةُ أَقْوَالٍ، حَكَاهَا صَاحِبُ "الكِتَابِ" وابْنُ الصَّبَّاغِ وغيرهما:

أحدهما: أنه يتعلَّق برقبته؛ لأن ظَنَّهُ فوَّت الرقَّ، فَصَارَ كَمَا لَو أَتْلَفَ مَالاً.

والثّاني: يتعلَّق بكسبه؛ لأنه غُرْمٌ لَزِمَ في النكاح، فَأشْبَهَ المهْرَ والنفقةَ.

وأصحهما: وهو المذْكُور في "التَّهْذِيبِ" أَنَّها تتعلَّق بذمته؛ لأنه لا جنايةَ منْه، وإنَّمَا أوهم شيئاً، فتوهَّمه، والحرِّيَّة تثبتُ بحُكْم الشرْعِ، والقيمةُ ليْسَتْ من قضايا النِّكَاح ولوازِمِه، حَتَّى يتعلَّقَ بالكَسْب بخلافِ المَهْر والنَّفَقَةِ، وتُعْتبر قيمةُ الأولادِ يَوْمَ الولادة، فإنَّه أول حالاتِ إِمكانِ التقْويم، وعن أَبِي حَنِيْفَةَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ يُعتبر فيه يوم المرافعة إلى الحَاكِم، حَتَّى لوَ ماتُوا قَبْلَه، لم يجبْ شيْءٌ، وأما الأولادُ الحاصِلُون بعْد ظُهُور الحالِ، فهُمْ أرِقَّاءُ نعَمْ، لو كان الرجلُ عربياً، ففِي استرقاقِ العَرَب خلافٌ يذكر في موضعه، والظاهر أَنَّهُ لا فرْقَ بين العربِّي، وغيره، ثم في الفصل مَسَائِلُ:

المسألة الأولى (٢): في الرُّجُوعِ بالمَهْر المغروم على الغارِّ قولان، كما ذكرنا في الْفَسْخِ بالعَيْب، وأما قيمة الأَولادِ فيرجع الزَّوْج بها على الغارِّ قولاً واحداً؛ لأنه لم يدخل في العقْدِ على أن يَضْمَنَها؛ ولأنَّ المهر وجَب في مقابَلَةِ ما أتْلَفَ من منْفَعَة البُضْع، وغرامة المُتْلَف تستقرُّ على المُتْلِف.

وعن ابنِ خَيْرَانَ وَابْنِ الْوَكِيلِ: أَنَّ في الْمَسْأَلَةِ قولاً آخَرَ: أنه لا يرجع بقيمة الأولاد، كما لا يرجع المهر في قول، وإذا قُلْنَا بالرجوع، فإنما يرجع، إذا غرم، كالضامن [وقد ذكرنا في الضامن] (٣) وجهاً أنَّ له أن يرجع قَبْل أن يغرم فيجيء مثله ههنا، والظاهرُ المنع، وُيبنى عليه أنَّ المغْرُور، إنْ كان عبداً، وعلَّقنا القيمة، بذمته فإنَّما يرْجع على الغارِّ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لأنه حينئذٍ يغرم، أمَّا إذا علَّقناها بِكَسْبه، أو برقبته، وغرم سَيِّدُهُ من كسبه، أو من رقبته، فيرجع في الْحَالِ، وللمَغرُور مطالبةُ الغَارِّ [بتحصيله] (٤) علَى ما ذكرنا في الضَّمَانِ.


(١) في ز: منطلق.
(٢) في أ: إحداهما.
(٣) سقط في ز.
(٤) فى ز: بتخليصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>