لأنه لم يُتْلِفْ إلا قدْرَ القيمة، فلتكنْ صورة الاستخدام كإتلافِ العبْد الجاني، وحكَى وجهين تفريعاً علَى قولِ وجُوب المَهْر والنفقة؛ يعتبر نفقة مدةِ الاستخدام، أو نفقةَ مدَّةِ النكاح ما امتد؛ لأنه ربما كان يكْتَسِب ما بقي بجميع ذلك والأظهرُ الأول، ويجيء مثل هذا الخلاف علَى قول إيجاب الأقلِّ في النفقة المنظُور إليها، وإن استخدمه أجنبيٌّ، لم يلزمه إلا أجرة المثل؛ لأنه لم يوجدْ منه إلا إتلاف، ولم يسبق، منه ما سبَقَ من السيد، وهو الإذْنُ المقتضي لالتزام مؤن النكاح في كسبه، وإذا اختصر الخلاف في استخدام السيِّد، حصَلَت ثلاثة أوجه، كما ذكر في الكتاب.
وللسَّيِّد أن يسافر بالعبد، وإن تضمَّن ذلك المنع له من الاستمتاع؛ لأنه مالك الرقبة، فيقدَّم حقُّه، كما أن له أن يُسَافِر بالأمة المزوَّجة، ثم للعبْدِ أن يسافر بها معَه، قال في "التهذيب" ويكون الكراء في كسبه، فإن لم تخرُجْ معه أو كانَت رقيقةً، فمنَعَها سيِّدُها، سقطت النفقة، وإن لَمْ يُطَالِبْهَا الزوج بالخروج، فالنفقةُ بحالها، والسيدُ يتكفل بها، فإن لم يفعلْ، ففيما يغرمه لمدة السفر الخلافُ السابقُ، هذا هو المنقول في الطُّرق وقد رواه الْمُزَنِيُّ عن نصفه في "الْمُخْتَصَرِ" وحكى الإمامُ عن العراقِيِّين؛ أنه ليس للسيد استخدامُه في الحَضَر، ولا أن يسافر به ما بَقِيت عَليه مؤنةُ النكاح، وجعل المسألة مختَلَفاً فيها بين الأصحاب، ولا يكاد يُتحقَّق فيها خلاف.
واعلم أن أكثر ما ذكَرْنا في المسألَتَيْن متفرع على القول الجديد، وهو أنه إذا جرى النكاح بإذن السيِّد، لا يكون السيد ضامناً للمَهْر والنفقة بالإِذْن، ووجْهه: أنه لم يلتزمْ تصريحاً ولا تعريضاً، والتعلُّق بالكسب يحتاجُ فيه إلَى ضربٍ من التكليف، فما ظنك بالإلزام المطْلَق والتعلّق بجميع أموال السيد، وقال في القديم: يصير بالإذْن ضامناً ملتَزماً للمَهْر والنفقة؛ لأنَّ الإذْنَ يقتضي الالْتِزام، وليس فيه تخصيصٌ بالكَسب، فلا يفترق الحال بين مالٍ ومالٍ، وإذا قلْنا بالجديد، فلو أذن بشرط الضمان، لم يصر ضامناً أيضاً، إذا جرى النكاح؛ لأنه لا وجُوبَ عند الإِذْن، وإذا قلْنا بالقديم، فقد حكى أبو الفرج الزاز وجهَيْن: في أن الوجُوبَ يثبت علىَ السيد ابتداءً أو يلاقي العَبْد، ويتحمَّل عنه السيد، فَعَلَى الأول لا تتوجَّه المطالبة إلا على السيد، ولو أبرأت العبد، فهو لغْوٌ، وعلى الثاني تتوجَّه المطالبة عَلَيْهما جميعاً، ويصحّ إِبراء العبد، ويبرأ به السيد على قاعدة الضمان، قال أبو الفرج: وَالأَصَحُّ الوجْهُ الثاني؛ لأن العوض يحْصُل للعبد بخلاف ما إذا اشترى بإذْن السيد، يكون الثمن عليه ابتداءً؛ لأن الملْك في المنْع يحْصُل له، وصاحب "التهذيب" أجاب بالوجْه الأول، ويقْرُب منه ما ذكره الإمَام؛ أن هذا وإنْ سُمِّيَ ضماناً على القديم، فليس هو بمثابة ما يلتزم بعَقْد الضمان، ولكَن القولَيْن راجعان إلى أن أثر الإِذْن ينحَصِر في الكسب أم يعم جميع أموال السيد، وهو قريبُ المأخذ من الخلاف في أَن عُهْدة تصرفات العبد المأذون تنحصرُ فيما في يده أم تتعلَّق بالسيد أيضاً