للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى رأي الإذْن في التجارة، فَمَا سلمه إلَيْه حاصرٌ عهدة التصرُّف في المُسَلَّم إليه، والإِذن ههنا في النِّكَاحِ حاصر (١) الالتزام في أقرب شيء إلى العبد، وهو كسبه، وعلَى رأي: لا تخصيص، وهذا تقريبٌ حسنٌ، لكنا ذكرنا أن الظاهر هناك التعلُّق بالسيد أيضاً، وههنا الأصحُّ الجديدُ باتفاق الأصحاب خلافه، هذا حكْمُ المَهْر في النكاح الصحيح، وأمَّا الْمَهْرُ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، ففيه مسألتان:

المسألة الأوُلَى: إذا فسد نكاحُ العبْد لجريانه من غير إذْن السيد، فيفرّق بينه وبين زوجته، فَإِنْ دَخَلَ بها قبْلَ التفريق، فلا حَدَّ للشبهة، ويجب مهر المثل وبم يتعلَّق؟ فيه وجهان:

أصحُّهما: أنه يتعلَّق بذمة العبد؛ لأنه وجب برضا المستحِقِّ، فصار كَمَا إذا اشترى أو استقرض بغير إذْن السيِّد وأتلف.

والثاني: أنه يتعلق برقبته؛ لأنَّ الوطء إتْلافٌ، فبذله لعلها فبدله كدُيُون الإِتْلاَفات، وهذا القول مِنْهُمْ من نسبه إلى [القول] (٢) القديم، ومنهم مَنْ قال: هو مخرَّجٌ من قولنا: إِنَّ السَّفِيهَ إذا نكَح بغَيْر إذْن الوليِّ ووطئ يلْزَمه المهْر، والقول الأول يوافق قولَنا هناك: لا يلزمُهُ شَيْء؛ لأن المرعيَّ هُنَاكَ حقَّ السفيه فينتفي الوجوب أصلاً، والمرعيُّ ههنا حقُّ السيد، ولا ضَرَرَ عليه في التعلُّق بالذمة، فعلَّقناه بها وفي "النهاية": أن من الأصحاب من لم ينسبه قَولاً للشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وقال: إنَّه حكَى مذهب الغير.

وإن جرى النكاح من غير إذن مستحِقِّ المهر بأن نكح أَمةً دون إذْن سيِّدها، ودخل بها، فطريقان:

أحدهما: وبه قال ابن الحدَّاد: القطْعُ بأنَّ مهر المثل يتعلَّق بالرقبة، كما لو أكْره أمةً أو حرةً على الزنا.

والثاني: طَرْد القولَيْن، ومن قال به، قال: المهر، وإن كان حقاً للسيد، إلا أنَّها بسبيل من إسقاطه في الجملة؛ بدليل ما إذا ارتدَّتْ أو أرضعتِ الزوجَ، وهو صغير، فإذا جاز أن يَسْقُطَ بفِعْلها، جاز أن يتأخَّر برضاها.

قال الشيخ أبو عليٍّ: ويقْرُب من هذا الخلاف ما إِذَا زَنَتْ طَائِعَةً، هل يسقط المهر؟.

المسألة الثانية: إذا أذِنَ السيدُ في النكاح، فنكح نِكَاحاً فَاسِداً، ودخَل بها قبل أن يُفرَّق بينهما، فبمَ يتعلق مهر الْمِثْلِ؟ يبني ذلك على أن الإِذْن في النكاح يتناول الصحيح


(١) في ز: حاضر.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>