للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون الفسْخُ بعد البيع، وحصُول الملْك، حتَّى لا يحكم بانفساخ [النكاح] (١) ما دَامَا في المجْلِس، إنْ قُلْنَا: إن الخيار يمنع حصول الملْك للمشتري، وإن كان الانفساخ عَقِيبَ البيع والملك، فيكون ملْكُها عن الصداق زائلاً مع حُصُول ملْكها في الرقبة، فلا يَبْطُلُ الثمن بالانفساخ بل أثر الانفساخ الرجُوعُ إلَى بدل الصَّداق، وهذا كما لو وكَّلت رجلاً بأن يشتري لها عَيْناً من الزَّوج بالصَّداق قبل المسيس، فاشترى، وارتدَّتْ هي عَقِيب الشراء، ويرجع الزوْجُ عليها بَبَدل الصَّدَاق، والتصرُّف الذي بَاشَرَهُ الوكيلُ لا يَبْطُلُ، وَهَذَا الذي أَوْرَدَهُ الشَّيخُ أقامه صاحب "التتمة" وجهاً من غير أن ينْسُبه إليه، فإن فرَّعنا على أن تَمَلُكَهَا الزوْجَ قبل المسيس يقْتَضِي التَّشْطير، فينبني هذا على خلافِ سنذكره في الحالة الثانية، وهي: إذا جرى البيعُ بعْد المسيس، فإنْ لم يصحَّ البيع هناك، فكذلك هاهنا، وإن صحَّحنا هناك، فالذي يلزم ههنا من صحَّة البيع وانفساخ النكاح، سقوطُ نصف الصداق، فلا يَسْقُط إلا نصْفُ الثمن، فيبطُلُ البيع في نصْف العبد، ويخرج في الباقي علَى تفريق الصفقة، فإن فرقنا، ينفسخ النكاح، هذا هو الجوابُ على المشهور، وعلى تخريج الشَّيْخ أبي عليٍّ؛ يصحُّ البيعُ في جميعه لا محالة.

الحالة الثانيَةُ: إذا جرى البيع بعين الصَّداق بعد المسيس، فيبنَى على الخلاف في أن مَنْ ملك عبداً له عليه دَيْن، هَل يَسْقُطُ ذَلِكَ الدَّيْنُ للمِلْك الطارئ إن قلْنا: لا يسقط، يصحُّ البيع، وتصيرُ مستوفيةً للمهر المستقر بالدخول، ولا شيءْ لواحدٍ من المتبايعَيْن على الآخر، وإنْ قلنا: يسقط وتبرأ ذمة العبد، فوجهان:

أَحَدُهُمَا: وهو المذكور في الكتاب: أنه لا يصحُّ البيع؛ لأنه لو صَحَّ، لملكته وبرئت ذمته، وإذا برئَ العَبْد، وهو أصيلٌ، برئ السيد الذي هو كفيلٌ، فيعرى البيعُ عن العوض، كما في الحالة الأُولَى.

وأظهرهما: وبه أجاب الشيخ أبو حامد: أنه يصحُّ، وليس كما قيل المسيس، فإنَّ سقوط المهر هناك بانفساخِ النِّكَاح بدليلِ أنَّه لو كان مقبوضاً، يجبُ رده، فَلاَ يمكن جعله ثمناً، وههنا سبب السقوط حدوث الملْك، وإذا جعَلَه ثمناً، فكأنها استوفَتِ الصداق قبل لزوم البَيْع، فليس لها بَعْدَ ما ملكَت الزوْجَ صدَاقٌ في رقبته (٢)، حَتَّى يسْقُطَ، وهذا قريبٌ مما ذكره الشيخ أبو عليٍّ في توْجيهه تخْريجه، ويُروَى أن القفال كان يحْفَظُ عن شيوخ الأصحاب صحَّة البيع في المسأَلة، ثم إِنه رَأى في المنام أنه سُئِل عنْها، فأجاب بالفَسَاد، وعلَّل سقوط الدين بحُدُوث الملك، ثم رأى الوجهَيْن بعد ما أثبته في كلام الأئمة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وجميع ما ذكرنا فيما إذا اشتَرتِ الزوجةُ زوْجَها


(١) سقط في ز.
(٢) قال الشيخ البلقيني: قوله "في رقبته" وهم وصوابه فليس لها بعدما ملكت الزوج صداق في ذمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>