للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= والحكمة في مشروعيته حصول الرغبة والألفة والمحبة بين الزوجين، ووجب عليه: لأنه أقوى منها وأكثر كسباً قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ولأنه رب الأسرة. وإليه نسب، وهل هو عوض. أو تكرمة، وفضيلة للزوج؛ قولان: حكاهما المرعشي.
الأول: نظر إلى الظاهر من كونه في مقابل منفعة البضع.
والثاني: نظر إلى الباطن من كونها تستمتع به، كما يستمتع بها.
هذا، وقد كانوا في الجاهلية يأخذون الصداق، ولا يعطون النساء منه شيئًا، فجاءت الشريعة الإِسلامية، فقضت بسوقه إليها بقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} والمخاطب بإيتاء المهور إلى النساء الأزواج عند الأكثرين، وهو الظاهر وقيل الأولياء لما تقدم.
ومقدار الصداق لم يحفل الشارع ببيانه، بل جعله منوطاً بحال الزوجين، وقدرة الزوج؛ لأن المعنى فيه تنبيه الزَّوج من أول الأمر إلى ما يجب عليه من الإِنفاق، وتنبيه الزوجة إلى ما يجب لها من الحق على الرجل، لتؤدي له حقه الذي فرضه الله عليها من الطاعة، وقصد نفسها عليه، وهذا التنبيه يحصل بالقليل والكثير، هذا وقد اختلف الأئمة في الحد الأدنى للمهر، فذهب أبو حنيفة، ومالك -رضي الله عنهما- إلى ضرورة تحديد فحده أبو حنيفة بعشرة دراهم، والدرهم يساوي بالعملة المصرية الآن أربعة قروش صاغاً تقريباً، فيكون أقل الصداق عنده أربعين قرشاً صاغاً، وحده مالك بثلاثة دراهم.
وقال الشَّافعي، وأحمد: لا حد لأقله، بل يكفي أن يبذل الزوج أي شيء له قيمة، ولو ملء كفه براً أو أرزاً.
استدل الحنفية بحديث لا مهر أقل من عشرة دراهم رواه ابن أبي حاتم.
واستدل الإِمام مالك بالقياس فقال: أقل نصاب يوجب قطع يد السارق ثلاثة دراهم فضة، أو ربع دينار من ذهب، فقاس الصداق عليه، لكن أصحابه لم يرتضوا هذا القياس, لأنه يخالف نص الحديث، وهو ما تأباه قواعد المذهب، والقياس بهذه الحالة لا يقول به مالك، حتى قال له بعضهم: إنك سلكت في ذلك سبيل أهل العراق، واستَدلَّ الشَّافِعِيَّة بِقَولِهِ -صلى الله عليه وسلم- للِرَّجُلِ الَّذي قَالَ لَهُ زَوُجْنِي الْمَرْأَةَ الَّتِي، وَهَبَتْ نَفْسَها التَمسْ وَلَوْ خاتَماً مِنْ حَدِيدٍ" ليكون صداقاً، والخاتم الحديد لا يساوي ما قاله الحنفية، والمالكية أجاب الحنفية بأن هذا الحديث صحيح لكن يحمل على مقدم الصداق الذي ينبغي دفعه فورًا، وأما الحد الأدنى للصداق مقدمًا ومؤخراً، فهو عشرة دراهم، كما في حديث ابن أبي حاتم.
وحديث ابن أبي حاتم رواه البيهقي بسند ضعيف، فلم يأخذوا به الشافعية، لكن إن تم ما ذكره ابن حجر من أن ابن أبي حاتم رواه بسند حسن كان الدليل واضحاً.
واستدل الحنابلة بما رواه أحمد، وابن ماجة والترمذي، وصححه عن عامر بن ربيعة أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين -فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَرَضِيتِ مِنْ مالِكِ وَنَفْسِكِ بنَعْلَينِ" قالت: نعم "فأَجَازَهُ" وقد يقال: إن النعلين قد يساويان ثلاثة دراهم على الأقل، كما هو رَأي السادة المالكية هذا ومن احتياط الأئمة، وعدم تعصبهم لآرائهم الاجتهادية أو الحنابلة، والشافعية، والمالكية قالوا: يَسن أن لا ينقص المهر عن عشرة دراهم مراعاة للحنفية الذين قالوا ذلك احتياطاً. =

<<  <  ج: ص:  >  >>