للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امْرَأَةً من الأنصار قال: "مَاذَا أَصْدَقْتَها؟ قال: وَزْنَ نَواةٍ من ذَهَبٍ، ويروى: على نَوَاةٍ من ذهب قال: "أَوْلِمْ وَلَوْ بشاةٍ "ردُع الزَّعْفَرانِ" لَطْخُهُ."ومَهْيم" أي: ما شَأْنُكَ وأمرك، يقال: إنها كلمة يَمَانيَّةٌ، "والنَّواةُ" اسْمٌ لخمسة دَراهِمَ، والصَّدَاقُ اسم للمال الوَاجِبِ لِلْمَرْأَةِ على الرَّجُلِ بِالنِّكَاحِ أو الوَطْء (١).


= وبعد: فهل قلة الصداق مشروعة، والمغالاة فيه غير جائزة ابتداء والجواب: أن الشافعية والحنابلة قالوا إن المغالاة في المهور غير جائزة ابتداءً, فيسن للناس أن لا يزيدوا في المهور على خمسمائة درهم: أو ثلاثة عشر جنيهاً ونصف جنيه تقريباً للاتباع.
وأما الحنفية والمالكية فقالوا: لا حد لأكثر الصداق، بل هو منه بأمرين قدرة الرجل المالية، وحالة المرأة، وما يليق بها، فلا يكره أن يمهرها بما يحب.
استدل الشافعية والحنابلة على رأيهم بما رواه أبو داود، والترمذي والنسائي وصححه من قول عمر -رضي الله عنه-: "لا تَغلُوا في صَدَاقِ" الخ فَإِنَّهمَا لَوْ كَانَتْ مُكْرَمَةً في الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى فِي الآخِرَةِ كَانَ أَوْلاَكُمْ بِهَا رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد روى مسلم عن عائشة أن صداق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أزواجه خمسمائة درهم، وهو القدر المذكور أجاب الحنفية والمالكية بأن قول عمر لا ينبغي إلا الغلو في الصداق، والمبالغة فيه إلى الحد الذي يضايق الزوج، أو يعجزه، وقد اتفق أن الصداق في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان المناسب فيه القدر الذي ذكره مسلم عن عائشة، وليس فيه أي تحديد للصداق وإليك كلمة في أذان الأولياء في المغالاة في المهور -فالمغالاة في المهور ترتب عليها مضايقة الأكفاء، وانصرافهم عن الزواج وعجزهم عن دفع المهر، ويترتب على ذلك بوار النساء، وتعريض الشباب والشابات للخنا، والفساد أو نقص النسل، وانقراض الرجال العاملين في الأمة، وغير ذلك من للفاسد التي تؤذي المجتمع، وتقوص دعائم العمران، فإن ذلك حرام بالإِجماع إذ من الواجب على المسلمين أن يقاوموا المفساد التي تترك آثاراً سيئة تؤذي الأفراد والجماعات، ولعل هذا هو السر في نهي سيدنا عمر -رضي الله عنه- أراد أن يحدد أكثر الصداق في عهده كي لا يتنافس الناس في المغالاة، فيضعوا بذلك العوائق التي تمنع عن الزواج، لكنه لم يستطع إلى ذلك سبيلاً، فَقَدِ احتجت عليه المرأة بقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} فإن ظاهر الآية أنه يجوز للرجل أن يعطي مهراً ما يشاء، ولو كان قنطاراً من الذهب، فامتنع عمر، وعدل عن رأيه: والآية ليست نصاً، فإن معناها لا يجوز للرجال أن يأخذوا من المهور التي فرضوها لأزواجهم شيئاً بعد الدخول بهن، مهما كانت كثيرة لكن إذا كانت كثرة المهر ترتب عليها ما نرى وما نسمع من مفاسد ورذائل كان تسهيل أمر الزواج الذي يقضي على فوضى الأخلاق واجباً دينياً فإن الدين الإِسلامي مبني على جلب المصلحة، ودرء المفسدة، فيجب على أولياء النساء مراعاة المصلحَة عَمَلاً بقوله -صلى الله عليه وسلم- "إِذَا أَتاَكُمْ مَنْ تَرْضُونَ دِيْنَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوَّجُوهُ" الحديث، وفي الأثر: "مَنْ زَوَّجَ كَرِيْمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ فَقْدَ قَطَعَ رَحِمَها".
ويجب على الرجال مراعاة الدين، وعدم التطلع لما اعتاده الناس من المبالغة في أمر الجهاز، والتفنن في الزخارف الكاذبة التي لا تلبث أن تذهب سُدَى، وبذلك يسعد الجميع.
(١) قال الشيخ البلقيني: الأحسن أن يقال هو اسم لما وجب بسبب عقد أو وطء أو تفويت بضع، فقولنا لما وجب يشمل المال وغيره من تعليم صنعة ونحوها، وقولنا بسبب عقد أو وطء واضح، وقولنا "أو تفويت بضع" يدخل فيه الرضاع والشهود الراجعون ووطء الأب زوجة ابنه وبالعكس =

<<  <  ج: ص:  >  >>