للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز أن يكون صَدَاقاً (١)، فإن انتهى في القِلَّةِ إلى حَدِّ لا يتموَّلُ فَسَدَتِ التَّسْمِيَةُ.

وقال أبو حَنِيْفَةَ ومالك: أَقَلُّهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ، والنِّصَابُ عند مَالِكٍ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ، وعند أبي حنيفة عَشْرَةُ دراهم قال يعني أَبا حَنِيْفَةَ-: ولو سَمَّى لها أَقَلَّ من عشر وجبت العَشرَةُ.

لنا: قوله في الخَبَرِ الذي تَقَدَّمَ: "ما تَراَضَى بهِ الأَهْلُونَ"،وروي أنه -صَلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَنِ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَدِ اسْتَحَلَّ" أي: طَلَبَ الحِلَّ، وُيسْتَحَبُّ ألا ينقص عن عشرة، وألا يُغالَى في الصَّدَاقِ، والأَوْلَى ألا يُزَادَ على صَداقِ زَوْجاتِ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وبَناتِهِ -رضي الله عنهن- وهو خَمْسُمَائَةِ دِرْهَمٍ (٢)؛ روي عن أبي سَلَمَةً، قال: سألت عائِشَةَ رضي الله عنها: "ما كان صَداقُ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: كان صَداقُهُ لأزواجه اثْنَتَيْ عَشَرَةَ أُوقِيَّةً ونَشّاً, أتدري ما النَّشُّ؟ قلت: لا. قالت: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ" (٣)، والأوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ درهماً والمجموع ما ذكرناه.

إذا تَمَهَّدَ ذلك، فإِذا جَرَى النِّكَاحَ لم يَخْلُ إما أن يقع بين الزوجين نِزَاعٌ في الصَّدَاق الوَاجِبِ، أو لا يَقَعُ، وإذا وَقَعَ (٤)، فإما أن يُسَمَّى شيئاً في النِّكَاحِ، أو لم يُسَمَّ، فهو إما صَحِيحٌ، وإما فاسد، وإن لم يسم، فأما إن أُهْمِلَ فهو كَتسْمِيَةِ شيء فاسِدٍ، أو نفي، فهو صورة التَّفْوِيضِ، وعلى التَّقْدِيرَاتِ، فقد يَشَطَّرُ الواجِبُ لِفِراقٍ يقتضيه، وقد لا يَتَشَطَّرُ، فجعل صاحب الكتاب كِتابَ الصَّدَاقِ خَمْسَةَ أبواب نتَكَفَّلُ ببيان هذه الأمُورِ:


(١) قال في الخادم: هذا في المالكة لأمرها كما نقله منصف التميمي عن الشَّافعي، وأما الولي يزوج المحجورة، فليس له أن ينقص عن مهر مثلها، وقال ابن الرفعة: يستثنى من هذا الضابط جعل رقبة العبد صداقاً للمرأة الحرة، وجعل الأب أم ابنه صداقاً عن ابنه، وجعل أحد أبوي الصغيرة صداقاً لها، فإنه يجوز بيعه ولا يجوز إصداقه.
وأجيب بأن هذا يجوز إصداقه في الجملة، وإنما امتنع هنا لمعنى آخر، والفرض هنا بيان ما يصح إصداقه، وأما الدين فإن كان في ذمة غيره فلا يجوز إصداقه، والظاهر مجيء الخلاف السابق في بيعه لغير من عليه هنا حتى يصح إصداقه وإن كان في ذمتها له جاز وتبرأ ذمتها ويجب أن يكون موضع هذا فيما يصح الاعتياض عنه لا كدين السلم، ولو أصدقها ديناً في ذمته فهل من شرط صحته أن يكون مما يصح السلم فيه حتى لا يصح إصداقها في ذمته ما يعز وجوده فيه وجهان في الكفاية مأخذهما أن الصداق مضمون ضمان عقد أو يد.
(٢) هذا في غالب نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد صح أن أم حبيبة أصدقها مائتي دينار، وروي أربعة الآف درهم وهي أربعمائة دينار، في مسند ابن أبي شيبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوج سودة بنت زمعة على بيت ورثه من بعض نسائه لكن لم يذكر قيمته، ويستفاد منه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرث.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه, واستدركه الحاكم فوهم، وفي الباب عن عمر عند مسلم أيضاً، وعن أم حبيبة عند النسائي.
(٤) سقط في أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>