على تَسْلِيم ما عنده، وهذه الأَقْوَالُ قد سَبَقَ مِثْلُهَا في البيع عند اختلاف المُتَبَايِعَيْنِ في البِدَايَةِ بالتسليم، وذكرنا هناك قَوْلاً رَابِعاً: وهو أن البائِعَ يُجْبَرُ على التَّسْلِيم أَوَّلاً، وهاهنا لا يمكن الابتداء بالمرأة؛ لأن مَنْفَعَةَ البُضْعِ إذا فاتَتْ تَعَذَّرَ اسْتِدْراكُهَا، والمال يمكن اسْتِرْدادُهُ.
وعن ابن الوَكِيلِ، وابن سَلَمَةَ، والقاضي أبي حامد، وغيرهم الاقْتِصارُ على ذِكْرِ القول الثاني، والثالث، وإنكار البِدايَةِ بالزوج، وإذا أثبتنا الأَقْوَالَ فقول البِدايَةِ بالزَّوْجِ مَوْضِعُهُ ما إذا كانت مُهَيَّأَةً للاسْتِمْتَاعِ، أما إذا كانت مَحْبُوسَةً أو ممنُوعَةً بِمَرَضِ، فلا يلزمه تسليم الصَّداقِ (١)، وإن كانت صَغِيرَةً لا تَصْلُحُ لِلُجِمَاعِ، فهل يلزمه التَّسْلِيم؟ فيه قولان، وكذا لو سلمت مثل هذه الصغيرة إلى زوجها، هل عليه تَسْلِيمُ المَهْرِ؟ فيه قولان كالقولين في وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وهما مذكوران في النَّفَقَاتِ:
أحدهما: الوجوب كما في المَرِيضَةِ والرَّتْقَاءِ.
وأصحهما: المنع: لأن زَوالَ الصِّغَر له أَمَدٌ مَعْلُومٌ، فالتَّأْخِيرُ إليه لا يكون كالتَّأْخِيرِ لا إلى غَايَةِ، وفي المسألة طريقان آخران:
إحداهما: عن القاضي أبي الطَّيِّب: القطع بأنه لا يَجِبُ تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ والفَرْقُ أنَّ النَّفَقَةَ تجب لكونها مَحْبُوسَةً عليه مُمَكِّنةٌ له، بحسب الإِمْكَانِ، وقد تحقق هذا المعنى، والمَهْرُ عِوَضُ الاسْتِمْتَاعِ، وأنه متَعَذِّرٌ.
والثانية: حكى الشيخ أبو حَامِدٍ: القطع بأنه يَجِبُ تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ، والفرقُ أن المَهْرَ يجب في مُقابَلَةِ البُضْعِ، ومِلْكُ البُضْع حاصل بالعَقْدِ، والنفقة في مقابلة التمكين من الاسْتِمْتَاعِ، والتمكين من الاسْتِمْتاَع يَسْتَدْعِي إِمْكَانَ الاستمتاع وهو مفقود ويَجْرِي الخلاف فيها إذا كان الزَّوجُ صَغِيراً في مُطالَبَةِ الوَلِيِّ، وإن كان الزوج صَغِيراً وهي كبيرة، فالأَصَحُّ أن لها طَلَبَ المَهْرِ، كما في النَّفَقَةِ، وإذا قلنا: إن البِدايَةَ بالزوج، أو قلنا: إنهما يُجْبَرَانِ، فقالت الزوجة: سَلِّمِ المَهْرِ لأسلم نَفْسِي، فيلزمه النَّفَقَةُ من حينئذٍ؛ لأنها مُمَكِّنَةٌ مُطَاوِعَةٌ.
وإن قلنا: لا يُجْبَرَانِ، فلا نَفَقَةَ لها حَتَّى تُبادِرَ إلى التَّمْكِينِ.