قَالَ الرَّافِعِيُّ: الكلام الآن فيما إذا بادَرَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلى التَّسْلِيم، وذلك إما أن يكون (١) من المَرْأةِ، أو من الرجل، فإِن بادَرَتْ هي، ومَكَّنَتْ، فلها طَلَبُ الصَّدَاقِ على الأقوال كلها ثم إن لم يجر وَطْءٌ، فلها العَوْدُ إلى الامْتِنَاعِ، إلى أن يسلم الصِّدَاقَ، ويكون الحُكْمُ، كما قبل التمكين، وإن جَرَى فَلَيْسَ لها بَعْدَ ذلك الامْتِنَاعُ وَحَبْسُ النَّفْسِ لاسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ، كما لو تَبَرَّعَ البَائِعُ بتسليم المَبِيعِ، قبل قَبْضِ الثمن، ليس له أَخْذُهُ وحَبْسُهُ.
وقال أبو حَنيفَةَ: لها العَوْدُ إلى الامتناع وفي "شرح القاضي ابن كج" أن أبا مَنْصُورِ الأبنوردي حَكَى عند القَاضِي أبي حَامِدٍ أن للأصحاب وَجْهاً مِثْلَهُ، وإذا وَطِئَهَا مُكْرَهَةً، فهل لها مَنْعُ النَّفْسِ بعده؟ فيه وجهان:
أصحُّهما: نعم كما لو غَصَبَ المشتري المَبِيعَ قبل تسليم الثمن، يجوز للْبَائِعِ رَدُّهُ إلى حَبْسِهِ.
والثاني: لا؛ لأن البُضْعَ بِالوَطْءِ كالتَّالِفِ، فأشبها ما لو غَصَبَ المشتري المَبِيعَ قبل تسليم الثَّمَنِ، وهَلَكَ عنده، ويجري الوجهان فيما لو سَلَّمَ الوَليُّ الصَّغِيرَةَ، أو المَجْنُونَةَ قبل قَبْضِ الصَّدَاقِ، فبلغت أو أَفاقَتْ بعد الدُّخُولِ، فإن بَلَغتْ أو أَفاقَتْ قبله، فلها الامْتِنَاعُ، وإن بادَرَ الزَّوْجُ، وسلم الصداق، فعليها التَّمْكِينُ، وتَسْلِيمُ النَّفْسِ إذا طلب الزوج، وكذا لو كان الصَّدَاقُ مُؤَجَّلاً، فإن امْتَنَعَتْ من غير عُذْرٍ، فهل له اسْتِرْدَادٌ ما سلم؟ ينبني ذلك على أن الزَّوْجَ هل يُجْبَرُ على تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ؟!.
إن قلنا: نعم، فله الاسْتِرَّدادُ؛ لأن الإجْبارَ بشرط تَسْلِيمِ المعوض إليه، وإن قلنا؛ لا يُجْبَرُ فوجهان:
أظهرهما: أنه لا يسترد؛ لأنه قد تَبَرَّعَ بالمُبَادَرَةِ، وسلم فلا يتمكَّنْ من الرجوع، كما لو عُجِّلَ المالُ المُؤَجَّلُ.
والثاني: له الاسْتِرْدَادُ؛ لأنه لم يَتَحَصَّلْ على العِوَضِ، وهذا ما أَوْرَدَهُ صاحب "العدة".