للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزالِيُّ: وَلَوْ شَرِطَ الخِيَارُ فِي الصَّدَاقِ ثَبَتَ عَلَى قَوْلٍ، وَفَسَدَ النِّكَاحُ عَلَى قَوْلٍ، وَفَسَدَ فِي نَفْسِهِ دُونَ النِّكَاحِ عَلَى قَوْلٍ، وَلَوْ قَالَ: نَكَحْتُهَا بِأَلْفٍ عَلَى أنَّ لأبيهَا أَلْفان فَسَدَ الصَّدَاقُ لأَنَّهُ أَضَافَ إِلَى الأبِ اسْتِحْقَاقَ ألْفٍ سِوَى الصَّدَاقِ، وَلَوْ قَالَ: نَكَحْتُهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفاً صَحَّ الصَّدَاقُ وَمَعْنَاهُ: نَكَحْتُ بِأَلْفَيْنِ أُعْطِي أَبَاهَا بِطَرِيقِ النِّيَابَة عَنْهَا، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا أَيْضاً فاسِدٌ لأَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنِ الوِكالَةِ في الأدَاءِ بَلْ عَنْ شَرْطِ الإِعْطاءِ، وَقِيلَ: في المَسْئَلَتَيْنِ قَوْلاَنِ بِالنَّقْلِ والتَّخْرِيجِ.

قَالَ الرَّافعِيُّ: والفصل يشتمل على مسألتين:

إحداهما: شرط الخِيَارِ في النكاح يُفْسِدُ النِّكَاحَ (١)، خلافاً لأبي حَنِيْفَةَ، حيث قال: يَصِحُّ النِّكَاحُ، ويلغو الشَّرْطُ.

لنا: أنه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ لا يثبت فيه خِيَارُ الشرط، فيفسد بشرط الخِيَارِ، كالصَّرْفِ، وأما شرط الخيار في الصَّدَاقِ، ففي بُطْلاَنِ النكاح به قولان:

أحدهما: وُينْسَبُ إلى القديم و"الإِملاء" أنه يَبْطُلُ، وفي سببه وجهان:

أحدهما: أن سَبَبَهُ فَسَادُ الشرط، وتأثيره في فَسَادِ العِوَضِ، وهذا القائل يقول بِفَسادِ النِّكَاحِ في جميع الشروط الفاسدة، والأعواض الفاسدة.

والثاني: أن سَبَبَ الفَسَادِ أحد العِوَضَيْنِ، والخِيَارُ في أحد العِوَضَيْنِ يَتَدَاعَى إلى الثاني، فكأنه شَرَطَ الخِيارَ في المَنْكُوحَةِ.

وأصحهما: صِحَّةُ النِّكَاحِ، كما ذكرنا في سائر الشروط الفَاسِدَةِ، وعلى هذا ففي صِحَّةِ المُسَمَّى قولان:

أحدهما: عن رواية ابن أبي هُرَيْرَةَ وغيره أنه يَصِحُّ؛ لأن الصَّدَاقَ عَقْدٌ يَسْتَقِلُّ بنفسه، والمقصود منه المَالُ، فلا يَفْسَدُ بشرط الخيار، كالبيع.

وأصحهما: أنه يَفْسَدُ، ويجب مَهْرُ المثل؛ لأن الصَّدَاقَ لا يَتَمَحَّضُ عِوَضاً، بل فيه معنى النِّحْلَةِ، فلا يليق به الخِيَارُ، والمرأة لم تَرْضَ بالمُسَمَّى إلا بشَرْطِ الخيار، فإن قلنا بالصحة ففي ثُبُوتِ الخيار وجهان:


(١) لأن النكاح مبناه على اللزوم، فشرط ما يخالف قضية يمنع الصحة، فإن شرط ذلك على تقدير عيب مثبت للخيار.
قال الزركشي: ينبغي أن يصح لأنه تصريح بمقتضى العقد.
قال في مغني المحتاج: وهو مخالف لإِطلاق كلام الأصحاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>