للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحهما: الثُّبُوتُ، وبه قال أبو حنيفة، كما حُكِيَ عن نَصِّهِ أنه لو أَصْدَقَهَا عَيْناً غَائبة، يصح، ويثبت لها خِيارُ الرُّؤْيةِ، فعلى هذا إن أَجَازَتْ فذاك، وإن فَسَخَتْ رجعت إلى مَهْرِ المِثْلِ.

والثاني: المنع؛ لأن النِّكَاحَ لا يَليقُ به الخِيَارُ، فينزل سُقُوطة شَرْعاً مَنْزِلَةَ إسْقَاطِ الخيار في البَيْع، ويخرج من هذا التَّفْصيل (١) إذا اخْتُصِرَ ثلاثَةُ أقوال، كما في الكتاب، وإذا أثْبَتْنَا الخِيارَ في الصَّدَاقِ، ففي ثبوت خِيارِ المجلس وجهان، نقلهما الشيخ أبو الفَرَجِ.

الثانية: نقل المُزَنِيُّ في "المختصر" أنه إذا عَقَدَ النِّكَاحَ بألف، على أن لأبيها ألفاً، فَسَدَ الصَّدَاقُ، وأنه إذا نَكَحَها على أَلْفٍ، وعلى أن يعطي أَبَاهَا ألْفاً كان جَائِزاً، وفي النصين طُرُقٌ للأصحاب:

أحدها: أن الصَّدَاقَ فاسِدٌ في الصورة الأولى، صَحِيحٌ في الثانية على ظاهِرِ النص (٢) والفرق أن قَوْلَهُ: "على أن لأبيها ألفاً" ظَاهِرٌ في اسْتِحْقاقِهِ الألْفَ، وذلك الألْفُ، إما أن يكون من الصَّدَاقِ، فيكون هذا شَرْطُ عَقْدٍ في عَقْدٍ، فَأَشْبَهَ ما إذا قال: "بِعْتُكَ كذا على أن تَهَبَ لفلان كذا".

وأما أن يكون من الصَّدَاقِ، فيكون اشْتِرَاطِ بَعْضِ المَهْرِ لغير الزوجة، فكان كما لو شَرَطَ في البَيْعِ اسْتِحْقَاقَ بعض الثَّمَنِ، لغير البائع.

وأما في الصورة الثانية، فالمَشْرُوطُ الإِعْطاءُ، مَعْطُوفاً على الألف الأولى، فَيُشْعِرُ بأن الصَّدَاقَ الألْفَانِ، والزوج نَائِبٌ عنها في دَفْعِ أحد الألفين إلى الأب، أو الأب نَائِبٌ عنها في القَبْضِ، أو أَحالَتْ الأب عليه في أخذ الألفين.

والثاني: أنه لا فَرْقَ، وَيفْسَدُ الصَّدَاقُ بِشَرْطِ الإعْطَاءِ فَسَادَهُ بشرط الاستحقاق؛ لأنه ليس في اللَّفْظَةِ ما يُشْعِرُ بالنِّيَابَةِ والحِوالَةِ، ولفَظ الإِعطاء يقتضي الاستِحْقَاقَ، والتَّمْلِيكَ أيضاً؛ لأنه لو قال له "بِعْتُكَ هذا على أن تُعْطِيَنيَ عَشَرَةٌ" صَحَّ البَيْعُ، فيكون شَرْطُ الإِعْطَاءِ كَشَرْطِ الاستحقاق، وهؤلاء اختلفوا فيما نَقَلَهُ المزني ثانياً، فمن مُغَلِّطٍ ومؤوِّل. وللتأويل وجوه:

أحدها: عن ابن خَيْرانَ: أن الشَّافعي -رضي الله عنه- لم يَقُلْ: كان الصداق، وإنما قال: كان جَائِزاً.

والثاني: حَمْلُهُ على ما إذا شَرَطَ ذلك قبل العَقْدِ، ولم يَتَعَرَّضَا له في نفس العَقْدِ.

والثالث: حَمْلُهُ على ما إذا جَرَى ذِكْرُهُ وَعْداً مَضْمُوماً إلى العَقْدِ، لا شَرْطاً فيه.


(١) في ب: التنزيل.
(٢) في ب: النصين.

<<  <  ج: ص:  >  >>