والرابع: حَمْلُهُ على ما إذا قَالَ: نَكَحْتُها بألفين، وشرط إِعْطَاءَ الأب أحَدَ الألْفَيْنِ، أو اتَّفَقَا على إِرَادَةِ هذا المَعْنَى، واللفظ ما سبق؛ لأن الصَّدَاقَ ههنا ألْفَانِ، والأَمْرُ في أن دفْعَ الألف إلى الأَب بِمُباشَرَةِ الزوج أو الزوجة سَهْلٌ لا يَتَعَلَّقُ به غَرَضٌ كَبيرٌ، ولا ينقص بسببه المَهْرُ، بخلاف ما إذا كان الصَّدَاقُ أَلْفاً، وشرط أن يُعُطِيَ أباها ألَفاً آخر، وأن الظَّاهِرَ إنما ينْقُصُ المَهْرُ لِيَبْذُلَ هو الألف الزَّائِدَ، وإذا فَسَدَ الشَّرْطُ لا يكون الألْفُ مَرْضِيّاً به، فيجب الرُّجُوعُ إلى مَهْرِ المِثْلِ.
والطريق الثالث: حَكَاهُ الحناطي، وصاحب الكتاب: أن الصورتين على قَوْلَيْن.
وجه الفَسَاد ما بُيَّنَ.
ووجه الصِّحَةَ: أن الألفين ملتزمتان في مُقابَلَةِ البُضْعِ، وهي المالِكَة لِلْبُضْعِ، فتستحقها وَتَلْغُو الإِضافة إلى الأب، والقولان على ما ذكر صاحب الكتاب حَاصِلاَنِ من التَّصْرف في النصين بالنقل والتَّخْرِيج.
وحكى العَراقِيُّونَ من أصحابنا القَوْلَيْنِ في الصورة مَنْصُوصَيْنِ، وقالوا: حكم الثانية حُكْمُ الأُولَى فَنَسَبُوا الصِّحَّةَ إلى القديم، وبه قال مَالِكٌ.
والظاهر من الخِلاَفِ القَوْلُ بالفَسَادِ، ووجوب مَهْرِ المِثْلِ.
وإذا قلنا بالصحة، فالمَهْرُ في اللفظين ألْفَانِ، وذكر صاحب "التهذيب" أن المراد من الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ما إذا نكَحَها بِأَلْفَيْنِ على أن تُعْطِيَ أباها أَلْفاً، وجرى ذِكْرُ الإعْطَاءِ على سَبِيلِ الوَعْدِ، كأنها وَعَدَتْ أن تَهَبَ ألفاً من أبيها، أو تُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ، أما إذا جَرَى على سَبِيلِ الاشْتِراطِ، لم يصح المسمى. وحكى وَجْهاً آخر فارِقاً بين أن يَشْتَرِطَ الزَّوْجُ عليها، فيفسد، أو تشترط هي، فلا يَفْسَدْ.
وقوله في الكتاب:"ولو قال نَكَحْتُهَا بألف على أن [أعطي](١) أباها ألفاً لم يَدْخُلْ فيه الواو، وفي أكثر نسخ "المختصر" "وعلى أن" بالواو، وذلك أظهر؛ إشْعَاراً بأن الصَّدَاقَ أَلْفَانِ، لما فيه من عَطْفِ إِعْطَاءِ الألف على الألف، فكأنه قال: نَكَحْتُها بألف وألف، وما إذا حذف الواو، كانت الصِّيغَةُ صِيغَةَ الاشْتِرَاطِ، فيكون الفَرْقُ بين الصُّورَتَيْنِ أَبْعَدَ، ثم لَفْظُ الكتاب: "على أن أُعْطِيَ أباها" فلفظ "المختصر": "أن يعطي"، واختلفوا في قراءة اللَّفْظَةِ فمنهم من قَرَأَهَا باليَاءِ، فذلك يُوَافِقُ ما في الكتاب، ومنهم من قَرَأَهَا بالتاء، أي: تعطى هي، وذكر أنها إذا قُرِئَتْ بالتاء، كان وَعْداً بِهِبَة أَلْفٍ منه، وإذا قُرِئَتْ بالياء كان إِنابَةً للزوج.