للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الثَّالِثُ: تفَرِيقُ الصَّفْقَةِ) فَإنْ أَصْدَقَهَا عَبْداً يُسَاوِي أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ تَرَدَّ أَلْفاً فَنِصْفُ العَبْدِ مَبِيعٌّ ونصْفُهُ صَدَاقٌ وَهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ وَفِي جَمْعِهِمَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ قَوْلاَنِ، فَإنْ صَحَّحْنَاهُمَا فَلَوْ أَرَادَ إِفْرَادَ الصَّدَاقِ أَوْ المَبِيعِ بِالرَّدِّ بِالعَيْبِ جَازَ عَلَى أَحَدَ الوَجْهَيْنِ، بخِلاَفِ ما لَوْ رَدَّ نِصْفَ العَبْدِ المَبِيعِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أَصْدَقَهَا عَبْداً، على أن تَرُدَّ عليه مائة أو ألفاً (١)، وصورته أن يقول للولي: زوِّج ابْنَتَكَ مِنِّي، وملكني كذا من مالها بولاية أو وِكَالَةٍ بهذا العَبْدِ، فَيُجِيبُهُ إليه، أو يقول الولي: زَوَّجْتُكَ بنتي، ومَلَّكْتُكَ كذا من مالها، بهذا العَبْدِ، فَيَقْبَلُ الزَّوْجُ، وهذا جَمْعٌ بين عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَي الحِكم في صَفْقَةٍ واحدة؛ لأن بعض العَبْدِ مَبِيعٌ، وبعضه صَدَاقٌ، وفيه قولان ذكرناهما في البَيْعِ:

أصحهما: صِحَّة العَقْدَيْنِ، وهذا الخلاف في البَيْع والصَّدَاقِ، وأما النكاح، فإنه يصح لا مَحالَةِ؛ لأنه لا يَفْسَدُ بالجَهْلِ في الصَّدَاقِ، إلا على قول من خَرَّجَ أن فَسَادَ الصَّدَاقِ يُوجبُ فَسَادَ النِّكَاحِ على ما سبق، وإن لم يَصِحُّ العَقْدَانِ، فلها مَهْرُ المِثْلِ، وإن صححناهما وَزَّعْنَا العَقْدَ علَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وعلى الثَّمَنِ، فإذا كان مَهْرُ المثل أَلْفَ دِرْهَمٍ، والثمن أَلْفاً، والعبد يُسَاوِي ألفين، فَنِصْفُ العَبْدِ مَبِيعٌ، ونصفه صَداقٌ، فإن طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قبل الدُّخُولِ، رجع إليه نِصْفُ الصداق، وهو رُبعُ العَبْدِ، وإن فُرِضَتْ رِدَّةٌ أو فَسْخٌ، رجع إليه جَمِيعُ الصَّدَاقِ، وهو نِصْفُ العبد، ولو تَلِفَ العَبْدِ قبل القبض تَسْتَرِدُّ الألف، ولها للصداق مَهْرُ المِثْلِ، في أصح القولين، ونِصْفُ قِيمَةِ العَبْدِ، في القول الثاني، ولو وجد الزَّوْجُ بِالثَّمَنِ الذي أخذه عَيْباً وَرَدَّهُ اسْتَرَدَّ المَبِيعَ، وهو نِصْفُ العَبْدِ، ويبقى لها النَّصْفُ الآخر، ولو وَجَدَتِ العَبْدَ مَعِيباً، فَرَدَتْهُ اسْتَرَدَّتِ الثَّمَنَ، ويرجع الصداق إلى مَهْرِ المِثْلِ، أو نصف القيمة؟ فيه القولان.

ولو أرادت أن تَرُدَّ أَحَدَ النصفين وَحْدَهُ، فقد مَرَّ في البَيْعِ أن العَبْدَ المَبِيعَ لو خرج مَعِيباً وأراد المشتري رَدَّ بَعْضَهُ، لم يكن له ذلك، وأنه لو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ في صَفْقَةٍ واحدة، ثم وجد بهما عَيْباً، وأراد إِفْرَادَ أَحَدِهِمَا، ففيه القولان، بِناءً على تَفْرِيقِ الصَّفقَةِ، وهاهنا طريقان:

أحدهما: فيه قولان، كما في رَدِّ أحد العَبْدَيْنِ.

والثاني: القَطْعُ بالجَوَازِ؛ لأن الانْتِقَالَ حَصَلَ بِعَقْدَيْنِ مختلفين، وقد يختصر، فيقال في إفراد أَحَدِ النَّصْفَيْنِ بالرَّدِّ وَجْهَانِ:


(١) ولو تلف العبد قبل القبض استردت الألف، ولها بدل الصداق، وهو نهي المثل في الأظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>