للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: تَقَدَّمَ على شَرْحِ ما في الأَصْلِ (١) أن الأَبَ إذا قَبِلَ النِّكَاحَ لابنه الصغير, أو المَجْنُونِ، فإما أن يُصْدِقَ الْمَرْأَةَ من مالِ الابن، أو من مالِ نَفْسِهِ، إن أَصْدَقَها من مال الابن، فَالكَلاَمُ في أنه هل يَصِيرُ ضَامِناً للصداق، إذا كان دَيْناً؟ وهل يَرْجِعُ إذا عزم على ما تَقَدَّمَ؟ فإن تَطَوَّعَ وأَدَّاهُ من مَالِ نَفْسِهِ، ثم بذل الابن وَطَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ، فالنَّصْفُ يرجع إلى الأَبِ، أو إلى الابن المُطَلِّقِ؟.

فيه طريقان عن الدَّارِكِيِّ أنه على وَجْهَيْنِ، كالوجهين فيما لو تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بأداء الصَّدَاقِ عنه، ثم طَلَّقَ قبل الدُّخُولِ، يرجع النِّصْفُ إلى المُطَلِّقِ، أو إلى الأجنبي؟.

أحدهما: أنه يَرْجِعُ إلى الزَّوْجِ؛ لأن النَّصْفَ إنما يَحْصُلُ بالطَّلاَقِ، والطلاق وُجِدَ منه.

والثاني: أنه يَرْجِعُ إلى المُتَبَرِّع؛ لأنه بَذَلَ المَالَ لِيَدُومَ النِّكَاحُ بينهما، فإذا لم يَحْصُلْ هذا الغَرَضُ، رجع إلى ما بَذَلَ.

وجَوَابُ عَامَّةِ الأصحاب أنه يَعُودُ إلى الزَّوْجِ، دون الأب، وخَصَّصُوا الوَجْهَيْنِ، بما إذا كان التَّبَرُّعُ من الأجنبي والفَرْقُ أن الأب يَتَمَكَّنُ من تمليكه المَالَ، فيكون قَابِلاً، ومُوجِباً، وقابضاً ومُقْبضاً، وإذا حَصَلَ المِلْكُ للابن، ثم صارَ للْمَرْأَةِ، عاد بالطَّلاَقِ إليه، والأجنبي لا يَتَمَكَّنُ من تمليكه المَالَ؛ لأنه لا وِلاَيَةَ له عليه، فالأَدَاءُ عنه لا يَكُونُ إلا إِسْقَاطَاً وتَبْرِئَةً لِذِمَّتِهِ، فإن كان الابن بالِغاً (٢)، وأَدَّى الأب عنه، فليكن ذلك كَأَدَاءِ الأجنبي.

وقَضِيَّةُ هذا الكَلاَمِ أن يكون الأَظْهَرُ من الوجهين في الأَجْنَبِيِّ أنه يَعُودُ النِّصْفُ إليه، ولذلك ذَكَرَهُ الإِمَامُ، وقال: إن استبعد مُسْتَبْعِدٌ رُجُوعَ النِّصْفِ إلى غَيْرِ الزوج، فَسَبَبُهُ، أن أَدَاءَ الصَّدَاقِ وُجِدَ من غير الزَّوْج، وإذا قلنا بأنه يَعُودُ إلى الابن المُطَلِّقِ، فإن كان الذي حَصَلَ له بالطلاق يَدُلُّ ما أَخَذَتْهُ المرأة لِتَصَرُّفِهَا فيه، فلا رُجُوعَ للأب فيما حصل، وإن كان من عَيْنِ المأخوذ، فيخرج مما أَوْرَدَهُ صاحب "التهذيب" طريقان:

أحدهما: أنه لا رُجُوعَ أيضاً.

والثاني: أن فيه وجْهَيْنِ، كما لو وهبَ من أبٍ عَيْناً، فزال مِلْكُهُ عنها، ثم عاد، والظَّاهِرُ المَنْعُ.


(١) في ب: الفصل.
(٢) أي رشيد كما قيده في الخادم، فقيل كالصغير, وقيل بالمنع قطعاً، لم يرجح الشيخ شيئاً.
قال في الخادم: والراجح القطع بمنع الرجوع؛ لأنه إن لم يقرر دخوله في ملكه فلا هبة ولا رجوع، وإن قدرنا فإنما ذاك لقبض المديون، وهو أجنبي من الأب، فلم يثبت له الرجوع، وقد قال الماوردي فلا رجوع له وجهاً واحداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>