للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصورة المُبَاحَاتِ، وأيضًا فإن الزِّنَا لو شرط فيه مَالٌ لا يثبت؛ لأن المَالَ لا يَتَعلَّقُ به شَرْعًا، فكذلك الوطء المحترم إذا نُفِيَ عنه، وجب ألا يَنْتَفِي؛ لأنه يَتَعَلَّقُ به المَالُ شَرْعًا وفيه وجه أنه لا يَجِبُ بالوَطَءِ مَهْرٌ خرجه القاضي الحُسَيَنُ، فيما إذا وَطِئَ المُرْتَهِنُ الجَارِيَةَ المَرْهُونَةَ بِإذْنِ الرَّاهِنِ ظَانًا أنها تُبَاحُ بالإذْنِ، حيث لا يَجِبُ المَهْرُ في أحد القولين، والجامع حُصُولُ الإِذْنِ من مالك البُضْعِ، وصوت التَّفْويِضِ أَوْلَى، بألا يجب فيها المهر؛ لأن الإِذْنَ فيها إِذْنٌ في وَطْءٍ مباح، بخلاف إذن المرتهن، وموضع هذا التخريج على ما حَكَاهُ أكثر من رَوَاهُ.

ومنهم صاحب "التتمة" ما إذا جَدَّدَتُ الإِذْنَ في الوَطْءِ، وصَرَّحَتُ بِنَفْي المَهْرِ، دون ما إذا لم يَجْرِ سوى التَّفْوِيضِ، ودون ما إذا جددت الإِذْنَ ولم تُصَرَّحُ بنَفْيَ المَهْرِ، وقياس مَسْأَلَةِ الرّهْنِ ألا يحتاج إلى التَّصْرِيحِ، والتقييد بنفي المَهْرِ.

قال الإِمام: والقِيَاسُ ألا يُشْتَرَطَ تَجْدِيدُ الإِذْنِ؛ لأن النِّكَاحَ على صُورَةِ التفويض أَثْبَتُ الاستحقاق لِلزَّوْجِ بلا عِوَضِ، والإذْنُ المجرد لا يُصَادِفُ حَقَّهَا، قال: وقد رَأَيْتُ في بعض المَجْمُوعاتِ ما يَدُلُّ على طرد التخريج، وإن لم يُوجَدْ إِذْنٌ جديد.

وإذا قلنا بظاهر المذهب، وأَوْجَبْنَا مَهْرَ المِثْلِ، فالاعتبار بِحَالَةِ العَقْدِ، أم بحالة الوَطْءِ؟! فيه وجهان أو قولان:

أحدهما: أن الاعتبار بحال الوطء فإن الوطء هو الذي لا يُعَرَّى عن المَهْرِ، أما العَقْدُ فَيُعَرَّى.

وأَصَحُّهُمَا (١): على ما ذكر الرُّوَيانِيُّ، وهو الذي أَوْرَدَهُ ابن الصَّبّاغ أنه يُعْتَبَرُ حَالَةُ العَقْدِ، وَوجِّهُوهُ بأن العَقْدَ هو الذي اقْتَضَى الوجوب عند الوَطْءِ، واسْتَنبَطَ الإِمَامُ من هذا الخلاف مَسْلَكَيْنِ:

أحدهما: أنَّا نَتَبَيَّنُ بجريان الوَطْءِ وُجُوبَ المَهْرِ بالعَقْدِ، وعلى هذا فالأَمْرُ مَوْقُوفٌ إن ارتفع النِّكَاحُ، ولم يجر وطءَ تبينا أن المَهْرَ لم يَجِبْ بالعَقْدِ، وإن جرى بَانَ وُجُوبُهُ بالعَقْدِ.

والثاني: أن يُقْطَعَ بِخُلُوِّ العَقْدِ عن المَهْرِ، ووجوبه بالوطء، ويجعل الخلاف في أن الاعْتِبارَ بحالة العَقْدِ، أم بحالة الوَطْءِ، كالخلاف في أنا إذا أَوْجَبْنَا في الجَنِينِ الرَّقِيقِ عُشْرَ قيمة الأم، تُعْتَبَرُ قِيمَتُها يوم الجِنَايَةِ، أم يوم الانْفِصَالِ واعلم أن قَضِيَّةَ القَوْلِ باعتبار حَالَةِ العَقْدِ إِيجابُ مَهْرِ ذلك اليوم، سواء كان أقل أو أكثر، لكن ذَكَرَ المُعْتبرون إنه إن كان أكثر أَوْجَبْنَاهُ وإن كان أَقَلَّ لم يقتصر عليه, لأن البُضْعَ دَخَلَ بالعَقْدِ في ضَمَانِهِ، فإذا اقترن به


(١) جرى في المنهاج على أن الخلاف وجهان وصحح اعتبار حالة العقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>