للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتراط بيان المدة وجهان. قال: والإقامة تدخل في الاستئجار للأذان، فلا يجوز الاستئجار على الإقامة إذ لا كلفة فيها، وفي الآذان كلفة لمراعاة الوقت، وليست هذه الصورة بصافية عن الإشكال.

قال الغزالي: فَرْعٌ: إِذَا كَثُرَ المُؤَذِّنُونَ فَلا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَاسَلُوا بَلْ إنْ اتَّسَعَ الوَقْتُ تَرَتَّبُوا، ثُمَّ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلاً فَهُوَ يُقِيمُ فَإِنْ تَسَاوَوْا أُقْرعَ بَيْنَهُمْ، وَوَقْتُ الإِقَامَةِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْإمَامِ، وَوَقْتُ الأَذَان بِنَظَرِ المُؤَذِّنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

قال الرافعي: الفرع يشتمل على قاعدتين:

أحدهما يستحب أن يكون للمسجد مؤذنان كما "كَانَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-بِلاَلٌ وَابْنُ أَمَّ مَكْتُومٍ".

ومن الفوائد فيه: أن يؤذن أحدهما لصلاة الصبح قبل الفجر والآخر بعده كما تقدم، وتجوز الزيادة لكن الأحب أن لا يزاد على أربعة، فقد اتخذ عثمان -رضي الله عنه- أربعةً من المؤذنين، ولم يزد الخلفاء الراشدون على هذا العدد (١)، وإذا ترشح للأذان اثنان فصاعداً فلا يستحب أن يتراسلوا بالأذان إذ لم يفعله مؤذنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن ينظر إن وسع الوقت ترتبوا فإن تنازعوا في البداية أقرع بينهم، وإنضاق الوقت فإن كان المسجد كبيراً أذنوا متفرقين في أقطار المسجد فإنه أبلغ في الإسماع، وإن كان صغيرًا وقفوا معاً وأذنوا، وهذا إذا لم يؤدّ اختلاف الأصوات إلى تشويش، فإن أدى لم يؤذن إلا واحد، فإن تنازعوا أقرع بينهم، روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَوْ يَعلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ" (٢).

وإذا انتهى الأمر إلى الإقامة فإن أذنوا على الترتيب فالأول أولى بالإقامة لما روى عن زياد الصدائي قال: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أُؤَذِّنَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ فَأَذَّنْتُ فَأَرَادَ بِلاَلُ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ أَخَا صَدَاءٍ قَدْ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ" (٣).

وهذا إذا لم يكن مؤذناً راتباً أو كان السابق هو المؤذن الراتب، فأما إذا سبق غير المؤذن الراتب فأذن فهل يستحق ولاية الإقامة؟ فيه وجهان:


(١) قال الحافظ في التلخيص (١/ ٢١٢) هذا الأثر ذكره جماعة من فقهاء أصحابنا، منهم صاحب المهذب وبيض له المنذري والنوري، ولا يعرف له أصل.
(٢) أخرجه البخاري (٦١٥) ومسلم (٤٣٧).
(٣) أخرجه أبو داود (٥٢٤) والترمذي (١٩٩)، وابن ماجه (٧١٧) وقال الترمذي: إنما نعرفه من حديث الإفريقي وهو ضعيف عند أهل الحديث، وحسنه الحازمي وقواه العقيلي وابن الجوزي، وفي رواية الطبراني وابن شاهين ما ظاهرها أن بلالاً كان غائباً، وكان أذان زيادة في صلاة الصبح كما روياه أيضاً، قال ابن الملقن في الخلاصة (١/ ١٠٥ - ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>