للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: نعم لإطلاق الخبر.

وأظهرهما: لا؛ لأنه مسيء بالتقدم، وفي القصة المروية كان بلال غائباً وزياد أذن بإذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وإذا قلنا: ولاية الإقامة لمن أذن أو لا فليس ذلك على سبيل الاستحقاق، بل لو أذن واحد، وأقام غيره اعتد به روى أن عبد الله بن زيد: "لَمَّا أَلْقَى الأَذَانَ عَلَى بِلاَلٍ فَأذَّنَ قَالَ عَبْدُ اللهِ أَنَا رَأَيْتُهُ وَأَنَا كُنْتُ أرِيدُهُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَأَقِمْ أَنْتَ" (١).

وحكى صاحب "التتمة" وغيره وجهاً أنه لا يعتد به تخريجاً من قول الشافعي -رضي الله عنه- أنه لا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر، فهذا إذا أذنوا على الترتيب.

أما إذا أذنوا معاً فإن اتفقوا على إقامة واحد فذاك، وإلا أُقرع بينهم، ولا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد، فإنها لاستنهاض الحاضرين، إلا إذا لم تحصل الكفاية بواحد.

وقيل: لا بأس، وبأن يقيموا معاً أيضاً إن لم يؤد إلى التشويش.

ونعود إلى لفظ الكتاب قوله: (فلا يستحب أن يتراسلوا بل إن وسع الوقت ترتبوا) نفي لاستحباب التراسل مطلقاً وبيان لما يتسحب على أحد التقديرين، وهو سعة الوقت، وكان اللائق أن يبين معه حكم التقدير الثاني، فالتعرض لأحدهما والسكوت عن الثاني ترك غير مستحسن لا إيجاز. فإن قلت: تقدير للترتيب بما إذا وسع الوقت يفيد أن الحكم بخلافه فيما إذا لم يسع الوقت. قلنا: نعم، لكن لا يفيد إلاَّ أنهم يترتبون، ولا يعرف من ذلك أنهم يؤذنون جميعاً؛ لأن هاهنا قسمًا آخر وهو: أنه لا يؤذن إلا أحدهم، وبتقدير أنه يفيد أنهم يؤذنون جميعاً إما وحده أو بقرينة قوله بعد ذلك: "فإن استووا أقرع بينهم" لكنه لا يفيد أنهم يؤذنون مجتمعين أو متفرقين في نواحي المسجد، فإذا القدر المذكور لا يفيد معرفة الحكم المطلوب، وأما الإقامة فقد بين حكمها على التقديرين. وأما إذا أذنوا مرتبًا فحيث قال: "ثم من أذن أو لا فهو يقيم" وأما إذا أذنوا معاً فحيث قال: فإن استووا أقرع بينهم" والمعنى فإن استووا في الأذان وتنازعوا في الإقامة وإلا فلو سلموها لواحد فلا حاجة إلى القرعة.

وقوله: "من أذن أو لا فهو يقيم" وإن كان مطلقاً لكنه محمول على ما إذا لم يكن السابق مسيئاً بمبادرة [المؤذن] (٢) الراتب كما قدمناه، ثم الحكم بأنه يقيم استحقاق أو استحباب قد ذكرناه.


(١) أخرجه أبو داود (٥١٢) والحازمي في الاعتبار (٩٥ - ٩٦) قال ابن الملقن: وهو حسن وفي إسناده مقال. انظر الخلاصة (١/ ١٠٦).
(٢) في ط الإمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>