قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أصْدَقَهَا نَخِيلاً حَوائِلَ، ثم طَلَّقَها قبل الدُّخُولِ، وهي مطلعة، لم يكن له أَخْذُ نِصْفِ الطَّلْعِ قَهْراً، ولا الرُّجُوعُ إلى العَيْنِ قَهْراً، فإن الطَّلْعَ كزيادة مُتَّصِلَةِ، فيمنع الرُّجُوع القَّهْري، فإن رَضِيَتِ المَرْأَةُ أن تأخذ نِصْفَ النَّخْل، مع نِصْفِ الطَّلْعِ أُجْبِرَ عليه، وليس له طَلَبُ نِصْفِ القِيمَةِ ومنهم من نَزَّلَ الطَّلْعِ مَنْزَلةَ الثَّمَرَةِ المُؤَبَّرَةِ، حتى يجيء في الإجْبَارِ الخِلاَفُ الذي نذكره في الإجْبَارِ على قَبُولِ الثمرة المُؤبَّرَةِ، وإن كانت عليها ثِمَارٌ مُؤَبَّرَةٌ عند الطَّلاَقِ، ففيه صور:
إحداها: ليس له أن يُكَلِّفَهَا قَطْعَ الثَّمَارِ، حتى يرجع إلى نصف الأَشْجَارِ؛ لأنها حَدَثَتْ في خَالِصِ مِلْكِهَا، فيتمكَّن من نَزْعِهَا، وإِبقائها إلى الجُذَاذِ، لكن لو بَادَرَتْ إلى قَطْعِهَا، أو قالت: اقطعها لترجع، فليس لِلزَّوج غير الرجوع إلى نِصْفِ الأشجار، إذا لم يَمْتَدَّ زمان القَطْعِ، ولم يحدث بالقَطْعِ نُقْصَانٌ في الأشجار لانْكِسَارِ السَّعَفِ والأَغْصَانِ.
والثانية: إذا أراد أن يرْجِعَ في نِصْفِ النَّخِيلِ، ويترك الثِّمَارَ إلى الجُذَاذِ، وَأَبَتِ المَرْأَةُ، ففيه وجهان:
أحدهما: أنها لا تُجْبَرُ عليه؛ لأنها قد لا تَرْضَى بيده، ودُخُولِهِ البُسْتَانَ.
والثاني: وجه قال أبو إِسْحَاقَ: يُجْبَرُ وتجعل الأشجار في يدهما، كما هو دَأْبُ الأمْلاَكِ الشَّائِعَةِ، وهذا أَصَحُّ عند أَئِمَّتِنا العراقيين وهو الجواب في "التهذيب" ورجَّح أبو سَعْيدٍ المُتَوَلِّي الأَوَّلَ، هذا ما يوجد في كُتُب الأصحاب، وتَعَالِيقِهِمْ، وزاد الإِمام شَيْئاً آخر، فقال: لا يَنْفَصِلُ الأمر بقوله: أرجعَ إلى نِصْفِ الأشجار، وأبْقِي الثِّمَارَ إلى الجُذَاذِ؛ لأنه لا بدّ من تنمية الثِّمَارِ بالسَّقْي في نَصِيبِهَا من الأَشْجَارِ [ولا يمكن تكليفها السقي لأن نفعه غير مختص بالثمر بل ينفع به الشجر أيضًا، ولا يمكن تكليفها ترك السقي لتضرر الثمر والشجر] وَتابَعَهُ صاحب الكتاب على ما ذكره، وكان ما ذَكَرَاهُ ذَهَابُ منهما إلى أَنَّهَا لا تُجْبَرُ على ما يقوله الزَّوْجُ، ويوجبه له لما في السَّقْي من الإِشْكَالِ، ولمن ذَهبَ إلى الإجْبَارِ، أن يقول: ليكن سَبِيلُ السَّقْي هاهنا سَبِيلَهُ فيما إذ اشْتَرَكَ اثْنَانِ في الأشجار، وانفرد أحدهما بالثِّمَارِ، في غير صورة الصَّدَاقِ.
الثالثة: إذا أَرَادَتِ المَرْأَةُ أن ترجع إلى نِصْفِ الأشجار وتترك الثمار إلى الجْذَاذِ، فللزوج أَلاَّ يَرْضَى به، ويطلب القِيمَةَ؛ لأن حَقَّهُ في الأشجار الخَالِيَةِ، وليس لها أنْ تُكَلِّفَة تَأْخِيرَ الرُّجُوع، إلى الجُذَاذِ؛ لأنه يَسْتَحِقُّ العين، أو القيمة في الحال، فلا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ، ولو قال الزوج: أُؤَخِّرُ الرُّجُوعَ، إلى أن تُجْذِيَ الثمرة، فلها أَلاَّ تَرْضَى به؛ لأن نَصِيبَهُ يكون مَضْمُوناً عليها، هكذا وَجَّهُوهُ وهو مَبْنِيٌّ على أن النِّصْفَ الراجع إلى الزوج