للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالدِّبَاغ، والتزمت مُؤنَاتِهِ، فيكون الحَاصِلُ كَسْباً لها، ومع هذا الترتيب ذَكَرْنَا في الغَصْب أن الأصَحَّ كَوْنُ الجِلْدِ للمغصوب منه، لا لِلْغَاصِب، فَيُشْبِهُ أن يكون الرُّجُوعُ هاهنا أَظْهَرَ أيضاً، وبه أجاب ابْنُ الحَدَّادِ، فإن هَلَكَ الجِلْدُ عندها بعد الدِّبَاغِ قال ابْنُ الحَدَّادِ: لا رُجُوعَ، كما قاله فيما إذا أَتْلَفَ الخَلَّ، وساعده الشيخ أَبُو عَلِيٍّ هاهنا، وقال: ينبغي ألا يرجع وَجْهاً وَاحِداً، بخلاف ما إذا تَلِفَ الخَلُّ؛ لأن الخَلَّ مِثْلِيٌّ. فإذا تَلِفَ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ إلى مِثْلِهِ، والجلدُ مُتَقَوَّمٌ، والنظر في المُتَقَوَّمَاتِ إلى وَقْتِ الإِصْدَاقِ والإِقْبَاضِ، ولم يكن له قِيمَةٌ حينئذٍ، ولو ارْتَدَّتِ المَرْأَةُ قبل الدخول، وانْفَسَخَ النِّكَاحُ، فالَقول في كُلِّ الجلد وكل الخُلِّ كالقول في النِّصْفِ عند الطَّلاَقِ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الخَامِسُ) إِذَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ القُرْآنِ وَطَلَّقَ قَبْلَ المَسِيسِ عَسُرَ تَعْلِيمُ النِّصْفِ لأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ المِثْلِ أَوْ نِصْفُ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ عَلَى اخْتِلاَفِ القَوْلَيْنِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: كما يجوز أن تُجْعَلَ أَعْيَانُ الأَمْوَالِ صَدَاقاً، يجوز أن تُجْعَلَ المَنَافِعُ والأعمال صَدَاقاً، وفي جَعْلِ الأعمال صَدَاقاً مَسَائِلُ لا بدّ من إِيرَادِهَا وهذا الفَرْعُ أَوْلَى مَوْضِعَ بِها؛ لأنه مُصَوَّرٌ في تَعْلِيمِ القرآن، فَنُورِدُ المسائل، وَنُدْرجُ فيها الفَرْعَ المذكور في الكتاب.

واعلم أن كُلَّ ما يَجُوزُ عَقْدُ الإجَارَةِ عليه يجوز جَعْلُهُ صَدَاقاً، وذلك كالخِيَاطَةِ، [والخِدْمَةِ، وَتَعْلِيمِ] (١) القرآن، والحِرَفِ وغيرها.

وعند أبي حَنِيْفَةَ: لاَ يَجُوزُ أن يُجْعَلَ تَعْلِيمُ القرآن ومَنْفَعَةُ الحر صَدَاقاً.

لنا: ما رُوِيَ أن امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقالت: يا رَسُولَ الله وَهَبْتُ نَفْسِي لك، وقامت قياماً طَوِيلاً، فقام رجل فقال: يا رَسُولَ اللهِ، زَوِّجْنِيهَا إن لم يكن لك بها حَاجَةٌ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ نُصْدِقُهَا إِيَّاهُ؟ " فقال: ما عندي إلا إِزَارَي هذا! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ جَلَسْتَ لاَ إِزَارَ لَكَ، الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيد" فلم يجد شَيْئاً فقال -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ " قال: نعم سورة كذا، وسورة كذا لسور سَمَّاهَا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ" (٢).

وفي الفَصْلِ مَسَائِلُ:


(١) في ب: والخدمة والبناء وتعليم.
(٢) متفق عليه من حديث سهل بن سعد، واللفظ الذي ساقه الرافعي أخرجه البخاري في باب السلطان ولي، وفي رواية المسلم: زوجتكها تعلمها من القرآن. وفي أخرى لأبي داود: علمها عشرين آية وهي امرأتك، ولأحمد: قد أنكحتكها على ما معك من القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>