للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداها: يشترط في تعليم القُرْآن لِتَصبحَّ صَدَاقاً -شيئان:

أحدهما: العِلْمُ بالمَشْرُوطِ تعليمه بأحد طريقين:

الأول: بَيْانُ القَدْرِ المُتَعَلَّمِ، بأن يقول: جَمِيعُ القرآن، أو السَّبْعُ الأُوَلُ أو الأُخَرُ، وفي بعض الشروح إِشَارَةٌ إلى وَجْهٍ آخر أنه لا يُشْتَرَطُ تَعْيينُ السبع، ولو عَيَّنَ بالسُّوَرِ والآيات، فعلى ما ذكرنا في الإِجَارَةِ، وبَيَّنَّا هناك الخلاف في أنه هل يشترط أن يَقُولَ بِقِرَاءَةِ نَافِعٍ، وأبي عَمْرو، أو غيرهما، والذي أَجَابَ به القاضي ابْنُ كَجٍّ هاهنا أنه لا يُشْتَرَطُ، قال: ولو شَرَطُ حَرْفَ أبي عمرو عَلَّمَهَا بِحَرْفِهِ، فإن عَلَّمهَا بحرف الكِسَائِيِّ، فيستحقُّ أُجْرَةَ المِثْلِ، أو لا شيء له حكى فيه وجهين، وحكى قولين في أنها بِمَ تَرْجِعُ على الزَّوْج أحدهما بِمَهْرِ المِثْلِ، والثاني بِقَدْرِ التَّفَاوُتِ بين أُجْرَةِ التعليم بالحَرْفِ المشروط، وأُجْرَةِ التَّعْلِيمِ بالحرف الآخَرِ، فإن لم يكن تَفَاوُتٌ، لم يرجع بشيء، ثم قال: ولا مَعْنَى لهذا الاخْتِلاَفِ، بل الوَاجِبُ، أن يقال يُعَلِّمُهَا حَرْفَ أبي عَمْرٍو، وهو مُتَطَوِّعٌ بما علم، ثم العِلْمِ بذلك يُشْتَرَطُ في حَقِّ الزوج والوَلِيِّ، فإن لم يكن لهما، أَو لأحدهما مَعْرِفَةٌ بالقرآن، وسُوَرِهِ، وأَحْزَابهِ، قال أبو الفَرَج الزَّازُ الطريق التَّوْكِيلُ، إلا فيرى المُصْحَفَ، ويقال: تَعَلَّمْ من هذا المَوْضِعِ إلى هذا الَمَوْضِع، ولك أن تقول: ما يَنْبَغِي أن يكون هَذَا طَرِيقاً؛ لأن لا يفيد مَعْرِفَةً بحال ذلك المُشَارِ إليهَ صُعُوبَةً وسهولة (١) مأخذ.

والثاني: تَقْدِيرُهُ بالزّمَانِ؛ بأن يُصْدِقَهَا تَعْلِيمَ القُرْآنِ شَهْراً أو سَنَةً، فيجوز كما لو اسْتَأْجَرَ خَيَّاطاً ليخيط له شَهْراً، وكما يَخيطُ هناك ما شَاءَ المُسْتَأْجر، يعلمها هاهنا المدة المذكررة ما شاءت المرأة، ولو جَمَع بين الطريقين، فقال: عَلَى أن أُعَلِّمَهَا مُدَّة شَهْرٍ سورة البقرة، فهو كما لو قال: اسْتَأجَرْتُكَ لِتَخِيطَ هذا الثَّوْبَ اليَوْمَ، وفيه خلاف تقدم في "الإِجارة".

والثاني: أن يكون المَشْرُوطُ تَعْلِيمُهُ قَدْراً، فيه كُلْفَةٌ، فإن لم يكن فيه كُلْفَةٌ، كما إذا شَرَطَ التَّعْلِيمَ لَحْظَة لَطِيفَةً، أو تعليم قَدْرٍ يَسِيرٍ، وإن كان آيَةً واحدة، كقوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: ٢١] وكقوله: {والفَجْرِ} [الفجر: ١] لم يَصِحَّ الإِصْدَاقُ، وهو كبيع حَبَّةٍ من الحِنْطَةِ.

ولو أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ الفَاتِحَةِ، وهو متعين للتعليم، ففي صِحَّةِ، الصَّدَاقِ، وجهان، كنظيره في الإِجَارَةِ، والأصَحُّ الصِّحَّةُ، ولو نَكَحَهَا على أدَاءِ شهادة لها عنده، أو نَكَحَ كِتَابِيَّةً على أن يُلَقِّنَهَاَ كَلِمَةً الشَّهَادَةِ لم يَجُزْ قاله في "التهذيب"، ثم في إِصْدَاقِ التَّعْلِيمِ صُوَرٌ:

إحداها: لو كان الزوج لا يُحْسِنُ ما شرط تعليمه، فإن الْتَزَمَ التَّعْلِيمَ في الذِّمَّةِ


(١) قال النووي: الصواب أنه لا تكفي الإِشارة إذا لم يعلمها فيتعين التوكيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>