للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلاَقِ في يَدِ الزَّوْجِ، فذلك قد يكون بعد ما قَبَضَهَا، وقد يكون باسْتِمْرَارِ يده التي كانت قَبْلَ الإِصْدَاقِ، وعلى التقدير الثَّانِي يزيد النَّظر في أن تَبَرُّعَهَا كَهِبَةِ المَبِيع من البائع، قبل الَقَبْضِ إذا قلنا: إن الصَّدَاقَ في يده مَضْمُوناً ضَمَانَ العَقْدِ والتبرع في العَيْنِ تَنْفُذْ بلفظ الهِبَةِ والتَّمْلِيكِ، ولا يَنْفُذُ بلفظ الإِبْرَاءِ والإِسْقَاطِ، وفي لفظ العَفْوِ وجهان:

أحدهما: أنه لا مَجَالَ له في الأَعْيَانِ، كالإِبْرَاءِ، وهذا ما أَوْرَدَهُ صاحب الكتاب.

والثاني: وهو الأَصَحُّ عند الشَّيْخِ الفَرَّاءِ والمُتَوَلِّي أنه يجوز اسْتِعْمَالُهُ في الصَّدَاقِ، لظاهر القُرْآنِ، فَطَرَدَ الحناطي وَجْهَيْنِ في الإبْرَاءِ والإِسْقَاطِ، وهذا في تَبَرُّعِ الزَّوْجَةِ على الزَّوْجِ، وفي تَبَرُّع الزوج عليها إذا مَلَّكْنَاهُ النِّصْفَ بنفس الطَّلاَقِ، أما إذا قلنا: إن له خِيَارَ التَّمَلُّكِ، فيعتبر لَفَظُ العَفْوِ في إِسْقَاطِ الخِيَارِ، ويبقى الجَمِيعُ على ملكها.

القاعدة الثانية: اختلف قَوْلُ الشَّافِعِيِّ -رضي الله عنه- في أن الوَلِيَّ هل له العَفْوُ عن صَدَاقِ مُوَلِّيَتِهِ؛ بناءً على الخِلاَفِ السَّابِقِ، في قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] فالجديد المنع، والقديم أن له ذلك، ولكن بشروط:

أحدها: أن يكون الوَلِيُّ أباً أو جَدّاً، فأما غَيْرُ الأب والجد، فليس له العَفْوُ؛ لِقَصَوُّرِ شفقته، ولأنه لا يَلِي التَّصَرُّفَ النَّافِعَ في مَالِهَا، فَأَوْلَى ألا يَلِيَ إِسْقَاطَهُ.

والثاني: أن تكون المُوَلِّيَةُ بِكْراً عَاقِلَةً صَغِيرَةً، أما الثَّيِّبُ فلا يجوز العَفْوُ عن صَدَاقِهَا؛ لأن الوَلِيَّ لا يَسْتَقِلُّ بنكاحها، فليست بيده عُقْدَةُ النكاح، وفيه وجه آخر والظَّاهِرُ الأول.

وفي المجنونة وجهان:

أحدهما: الجَوَازُ؛ لإِطْلاَقِ الآية.

وأظهرهما: وهو الجَوَابُ في "التهذيب" وغيره المَنْعُ؛ لأنه يُرْجَى في العَفْوِ عن صَدَاقِ العَاقِلَةِ تَرْغِيب الخَاطِبِينَ فيها، وَتَخْلِيصُهَا ممن هي في نِكَاحِهِ؛ ليَتَزَوَّجَهَا مَنْ هو خَيْرٌ منه، والمجنونة لا تَكَادُ يُرْغَبُ فيها، فلا مَعْنَى، لإِسْقَاطِ حَقِّهَا الثابت لأَمْرٍ لا يكاد يحصل. قال في "التتمة": وكذا البَالِغَةُ المَحْجُورُ عليها بالسَّنَةِ، وأما العَاقِلَةُ البالغة البِكْرُ، ففيها وجهان:

أحدهما: جَوَازُ العَفْوِ عن صَدَاقِهَا؛ لأن الأب والجَدَّ يَسْتَقِلاَّنِ بنِكَاحِهَا استقلالهما بنكاح الصَّغِيرَةِ.

وأصحهما: المَنْعُ؛ لأن التَّصَرُّفَ والنَّظَرَ في مالها إليها، لا إلى الوَلِيِّ، وبنى أبو الفَرَجِ الزاز الوَجْهَيْنِ على اختلاف الأَصْحَابِ، في أنه لو مَلَكَ العَفْوَ في الصغيرة، فمن قَائل إن المَهْرَ مَالٌ اكْتَسَبَهُ لها، فإذا أَسْقَطَهُ فكَأنه لم يكتسب، ومن مُعَلِّل بأن مَالَهَا تحت

<<  <  ج: ص:  >  >>