للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: طَرْدُ قَوْلَي الهِبَةِ.

والثاني: القَطْعُ بعدم الرُّجُوعِ (١)، والفرق أنها لم تَأْخُذْ منه مالاً، ولم تَتَحَصَّلْ على شيء، ثم اتفق المُثْبتُونَ للقولين، على أن الظَّاهِرَ هاهنا عَدَمُ الرجوع، ولو وَهَبَتِ الدين منه، فهذه الصُّورَةُ أَوْلَى بالرجوع من صُورَةِ الإِبْرَاءِ نظر إلى لَفْظِ الهِبَةِ، والظاهر اعتبار الحَقِيقَةِ، وأن الحُكْمَ كما في لَفْظِ الإبْرَاءِ، ولو قبضت الدَّيْنَ، ثم وَهَبَتْهُ منه، ثم طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ، فالحكم كما في هِبَةِ العَيْنِ، قال في "التتمة": هذا إذا قلنا: إنه لو طَلَّقَهَا والمَقْبُوضُ في يدها وملكها، يتعين حقه فيه، أما إذا قلنا: لا يَتَعَيَّنُ، فله الرُّجُوعُ قَوْلاً واحداً.

وعند أبي حنيفة: إن كان ذلك من المِثْلِثَّاتِ، رجع، وإن كان من المُتَقَوّمَاتِ لم يرجع، فَرْقاً بأن المُسْتَوْفَى من المْتَقَوّمَاتِ عَيْبهُ الصداق؛ لأن المتقومات لا مِثْلَ لها، وفي المِثْلِيَّاتِ المُسْتَوْفَى مِثْلُ الصَّدَاقِ لا عَيْنُهُ.

ولو وهبت له الصداق، ثم ارْتَدَّتْ قبل الدُّخُولِ، أو فَسَخَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِ الآخر، قبل الدخول، ففي الرجوع في الكل مِثْلُ الخِلاَفِ المذكور في الرُّجُوعِ في النِّصْفِ عند الطلاق. ولو باع عبداً بِجَارَيةٍ، ووهب الجَارِيةَ من بائعها، ثم وَجَدَ بَائِعُهَا بالعَبْدِ عَيْباً وأراد رَدَّهُ بالعَيْبِ، ففي تَمَكُّنِهِ منه، ومن المُطَالَبَةِ بقيمة الجَارِيةِ وَجْهَانِ مَأْخُوذَانِ من مسألة هِبَةِ الصَّدَاقِ قبل الطَّلاَقِ، ويجريان في تمَكُّنِهِ من طَلَب الأَرْشِ، إذا اطَّلَعَ على عَيْبِ العَبْدِ بعد هَلاَكِهِ، أو كان به عَيْبٌ حَادِثٌ مَانِعٌ من الرَّدِّ، ولو أَبْرَأَ السَّيِّدُ المُكَاتَبَ عنَ النُّجُومِ، وعُتِقَ، فهل له مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ بالإِيتاء؟.

فيه مِثْلُ هذا الخِلاَفِ، وإذا وَهَبَ المشتري المَبِيعَ من البائع، ثم أَفْلَسَ بالثَّمَنِ، فللبائع المُضَارَبَةُ مع الغُرَمَاءِ، بلا خلاف؛ لأن المَوْهُوبَ غير المستحقِّ، وهو الثَّمَنُ، وفي الصورة المتقدمة الموهوب أولاً هو المُسْتحقّ ثَانِياً، فجعلت الهِبَةُ تَعْجِيلاً على قول، وطَرَدَ الحناطيُّ الخِلاَفَ في مسألة المُفْلِسِ.

ولو ادعى عَيْناً في يد إِنْسَانٍ، وأقام شَاهِدَيْنِ، وحُكِمَ له بالمُدَّعَي، وسلم إليه، فوهَبَه من المُدَّعَى عليه، ثم رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عن الشهادة، وقلنا بِتَغْرِيمِ شُهُودِ المَالِ، ففي تَغْرِيمِ المدعى عليه الشَّاهِدَيْنِ، والصورة هذه -طريقان مَنْقُولاَنِ في "التتمة".

أحدهما: أنه على وجهين؛ أَخْذاً من مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ.

الثاني: القَطْعُ بالمَنْعِ؛ لأن المدعى عليه لا يَقُولُ بحصول المِلْكِ بالهِبَةِ، بل يَزْعُمُ دَوَامَ المِلْكِ السابق والذي كان، وفي الصداق زَالَ مِلْكُهُ حَقِيقَةَ، وعاد بالهَبَةِ (٢).


(١) لأنها لم تأخذ منه مالاً ولم تتحصل منه على شيء بخلافها على هبة العين.
(٢) قال النووي: هذا الثاني هو الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>