للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلاَنِ، وَإِنْ رَجَعَ بِالإِبْرَاءِ فَقَوْلاَنِ مُرَتَّبَانِ، وَأَوْلَى بِأَنْ لاَ يَرْجِعَ، وَإنْ كَانَ دَيْناً فَوَهَبَتْ مِنْهُ فَقَوْلاَنِ وَأَوْلَى بالرُّجُوعِ، فَإنْ مَنَعْنَا الرُّجُوعَ جَعَلْنَا الهِبَةَ كَالتَّعْجِيلِ إِلَيْهِ بِالصَّدَاقِ وَيَجْرِي القَوْلاَنِ في الرُّجُوعِ بِحُكمِ الفُسُوخِ بَعْدَ اتِّهَابِ المَرْجُوعِ فِيهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا وَهَبَتِ الصَّدَاقَ المُعَيّنَ من زوجها، طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ، فقولان:

القديم: وَاحَدُ قولي الجديد، وبه قال مَالِكٌ، وأبو حنيفة، وكذلك أحمد في أصح الروايتين: أنه لا يَرْجِعُ عليها بشيء (١)؛ لأنها عَجَّلَتْ له ما يَسْتَحِقُّهُ بالطلاق، فلا تبقى المُطَالَبَةُ عند الطلاق، فهذا كما أن من عَجَّلَ [الزكاة قبل الحول لا يطالب به عند الحول، وكالمديون إذا عجل] (٢) الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ لا يُطَالِبُ به عن المَحَلِّ، وهذا ما اختاره المُزَنِيُّ.

والثاني: أنه يَرْجِعُ عليها بِنِصْفِ بَدَلِهِ، إما المِثْلُ أو القِيمَةُ (٣) لأنه مِلْكٌ جديد، حَصَلَ له قبل الطَّلاَقِ، فلا يمنع الرُّجُوعَ عند الطلاق، كما لو انْتَقَل إليه مِنْ أَجْنَبِيِّ، أو باعه منه، ولأنها صَرَفَتِ الصَّدَاقَ بِتَصَرُّفِيهَا إلى جِهَةِ مَصْلَحَتِهَا، فأشبه ما إذا وَهَبَتْهُ من أَجْنَبِيِّ.

وأصح القولين عند صاحب "التهذيب" الأول، وأكثرون على تَرْجِيحِ الثاني؛ منهم العِراقِيُّونَ، والإِمام، والقاضي الرُّوَيانِيُّ، وهذا إذا [كانت] (٤) قد قَبَضَتِ العَيْنَ المُصْدَقَةَ، ثم وَهَبَتْهَا منه، وإن وَهَبَتْ قبل القَبْضِ زاد نظران:

أحدهما: أنا إذا قُلْنَا: الصَّدَاقُ مَضْمُونٌ في يَدِ الزوج ضَمَانَ العَقْدِ [كان ما] (٥) وهبته قبل القَبْضِ كَهِبَةِ المَبِيعِ من البائع، وبَيْعِهِ منه قَبْلَ القَبْضِ، وفيه خلاف، ثم هذه تكون هِبَةَ الشَيْءِ ممن في يَدِهِ، وفيما يلزم به هذه الهِبَةُ ما سَبَقَ في موضعه.

والثاني: حَكَى الحناطي طَرِيقَةً قَاطِعَةً في هذه الحَالَةِ أنه لا يرجع عليها بِشَيْءٍ، كما سَنَذْكُرُهُ فيما إذا كان الصَّدَاقُ دَيْناً، فَأَبْرَأَتْهُ عنه؛ لأنه لم يدخل في يدها شَيْءٌ، والظاهر التَّسْوِيَةُ بين حَالَتَيْ وجود القَبْضِ وعدمه في طَرْدِ القولين، ولو كان الصَّدَاقُ دَيْناً، فَأَبْرَأَتْهُ عنه تَرَتَّبَ ذلك على هِبَةِ العَيْنِ إن قلنا: لا يرجع في العَيْنِ فههنا أَوْلَى، وإن قلنا: يرجع هناك، فهاهنا قولان، وإن شئت قلت في صورة الإِبْرَاءِ طريقان:


(١) لأنها عجلت له ما يستحق بالطلاق، فأشبه تعجيل الدين قبل الدخول ومنع الأظهر كونه تعجيلاً لحقه، فإنه لو صرحت بالتعجيل لم يصح.
(٢) سقط في: أ.
(٣) لأنه ملك الصهر قبل الطلاق من غير جهة الطلاق.
(٤) سقط في: أ.
(٥) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>