وأما النوافل فكذلك يجب الاستقبال فيها إلا في حالة الخوف وفي السفر على ما سيأتي، فالمستثنى في قسم الفرائض حالة واحدة، وفي قسم النوافل حالتان، والشافعي -رضي الله عنه- عبر عن الفرض بعبارة أخرى من غير تقسيم الصلوات إلى الفرائض، والنوافل فقال: لا تجوز الصلاة من غير الاستقبال إلا في حالتين:
إحداهما: النافلة في السفر.
والثانية: شدة الخوف، فإن قيل: الاستثناء لا ينحصر في هاتين الحالتين ألا ترى أن المريض الذي لا يجد من يوجهه إلى القبلة ولا يطيق التوجه معذور، وكذلك المربوط على الخشبة؟ قلنا: الكلام في القادر على أن يصلي متوجهاً، فأما العاجز فلا يكلف بما ليس في وسعه، ولا حاجة إلى استثنائه من موارد إمكان التكليف.
وإذا عرفت هذه المقدمة فيتفرع عليها أنه لا يجوز فعل الفريضة على الراحلة لاختلال أمر الاستقبال، وينبغي أن تعرف من قوله: فلا يؤدي فريضة على الراحلة شيئين:
أحدهما: أنه ليس المراد منه الأداء الذي هو ضد القضاء، فإن الفريضة كما لا تؤدى على الراحلة لا تقضى أيضاً، وإنما المراد منه الفعل.
والثاني: أنه وإن كان مطلقاً لكن الفرض ما إذا لم يلحقه خوف فأما إذا خاف الانقطاع عن الرفقة لو نزل لأداء الفريضة، أو خاف على نفسه، أو ماله من وجه آخر فله أن يصلي على الدابة؟ لكنه يعيد إذا نزل، وهل يجوز فعل المنذورة على الراحلة؟ يبني على أصل سبق ذكره، وهو أن المنذورة من العبادة عند الإطلاق يحمل على أقل واجب، ويعطي أحكام الواجبات أم لا؛ إن قلنا: لا، جاز ذلك، وإن قلنا: نعم. لم يجز، وهو الصحيح، والمحكي عن نصه في "الأم" ولك أن تعلم قوله: (ولا منذورة) بالحاء لأن أبا الحسن الكرخي حكى في مختصره أنه لا يصلي على الراحلة صلاة نذر أوجبها، وهو بالأرض فإن أوجب صلاة وهو راكب أجزأه فعلها على الدابة، وأما صلاة الجنازة ففي جواز فعلها على الرَّاحلة ثلاث طرق، بيناها في "التيمم"، والظاهر: ما ذكره في الكتاب وهو المنع؛ لأن الركن الأظهر فيها القيام، وفعلها على الراحلة يمحو صورة القيام، وذكر بعضهم للمنع معنى آخر سنذكره من بعد، ويجب أن يكون قوله:(ولا صلاة جنازة) مرقوماً بالواو لما تقدم.