للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستقبال ففيه شيء آخر، وهو إقامة الفريضة على ما لا يصلح للقرار، وفي اشتراط إقامتها على ما يصلح للقرار كلام، فأراد المصنف أن (يبين أن) (١) امتناع فعل الفريضة على الراحلة ليس لاختلال أمر الاستقبال فحسب، بل من شرط الفريضة فعلها على ما هو للقرار، وهذا الشرط فأئت إذا أقيمت على الراحلة.

وفقه الفصل أن استقرار المصلي في نفسه شرط، فليس له أن يصلي الفريضة وهو سائر ماشٍ؛ لأن المشي يشتمل على الحركات والأصل أنه لا يحتمل أصلاً فخالفنا في النوافل في السفر لما سيأتي، وهل يجوز فعلها على الدَّابَةِ؟ نظر إن أخل فعلها بالقيام، أو الاستقبال فلا يجوز، وإن أمكنه إتمام أركان الصلاة بأن كان في هودج، أو على سرير موضوع على الدابة، فالذي ذكره المصنف أن الفريضة لا تصح، وإن كانت الدابة واقفة معقولة، واتبع فيه إمام الحرمين حيث فقال: لا تقام الفريضة على الراحلة وإن كان المصلي قادراً على المحافظة على الأركان كلها مستقبلاً، وكان البعير معقولاً، لأنه مأمور بأداء الفرائض متمكناً على الأرض، أو ما في معناها، وليست الدابة للاستقرار عليها، وكذلك القول في الأرجوحة المشدودة بالحبال فإنها لا تعد في العرف مكان التمكن، وهو مأمور بالتمكن والاستقرار، وهذا بخلاف السفينة حيث تصح الصلاة فيها وإن كانت تجري وتتحرك بمن فيها، كالدواب تتحرك بالراكبين؛ لأن ذلك إنما يجوز لمسيس الحاجة إلى ركوب البحر، وتعذر العدول في أوقات الصلاة عنه، فجعل الماء علي الأرض كالأرض، وجعلت السفينة كالصفائح المبطوحة على الأرض، وألحق بالسفينة الجارية الزورق المشدود على الساحل، تنزيلاً له منزلة السرير، والماء منزلة الأرض، وتحركه تسفلاً وتصعداً كتحرك السرير ونحوه على وجه الأرض فلا يمنع صحة الفريضة.

وأما الزورق البخاري، فهل للمقيم في "بغداد" وغيره إقامة الفريضة فيه مع تمام الأركان والأفعال. قال إمام الحرمين: فيه احتمال وتردد ظاهر، فإن الأفعال تكثر بجريان الزوارق، وهو قادر على دخول الشط وإقامة الصلاة قال: وإن احتمل رجال سريراً وعليه إنسان لم يصح عليه الفرض فإن محمول الناس كمحمول البهائم، هذا كلامهما، ولا يخفى أن من حكم بالمنع والدابة معقولة فلأن يحكم به وهي سائرة أولى، وأورد أكثر أصحابنا -منهم صاحب "المعتمد" والحسين الفراء، وأبو سعيد المتولي، والقاضي الروياني، وغيرهم- أنه يجوز فعل الفريضة على الدابة مع إتمام الأفعال والأركان بأن كان في


(١) سقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>