للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلى حُصُولِ الفرقة، فيقدرها، والأصل في المَهْرِ الثَّابِتِ الدَّوَامُ، وأنه يَفْتَقِرُ إلى المَسِيسِ، فيقدره فإن ادَّعى الزَّوْجُ المُسْقَطَ، فعليه إِظْهَارُهُ لحُجِّتِهِ، وهو اليَمِينُ، والشيء يثبت تَارَةً بالبَيِّنَةِ، وأخرى باليمين.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الخَامِسَةُ): إِذَا كَانَ في مِلْكِهِ أَبُوهَا وَأُمَّهَا فَقَالَ: أَصْدَقْتُكَ أَبَاكَ فَقَالَتْ: بَلْ أُمِّي تَحَالَفَا علَى الأَصَحِّ لأَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ وَأَصْلُ العَقْدِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ الرُّجُوعُ إِلَى مَهْرِ المِثْلِ، وَيُعْتَقُ الأبُ بِإقْرَارِهِ وَوَلاَؤُهُ مَوْقُوفٌ إِذْ لاَ يَدَّعِيهِ أَحَدُهُمَا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: رجل في مِلْكِهِ أَبَوَا امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، فنكحها على أحدهما معيناً، ثم اخْتَلَفَا، فقال: أَصْدَقْتُكِ أباك، فقالت: بل أُمِّي، ففيه وجهان:

أصحهما: عند صاحب الكتاب، وبه أجاب ابْنُ الحَدَّادِ أنهما يَتَحَالَفَانِ، كما لو اخْتَلَفَا في جِنْسِ الثمن، فقال البائع: بِعْتُكَ بِدَنَانِيرَ، وقال المشتري: بل بدَرَاهِمَ.

والثاني: أنه لا تَحَالُفَ؛ لأن الصَّدَاقَ كَعَقْدٍ مستقلّ بنفسه، ولم يَتَّفِقَا على صَدَاقٍ واحد، والوجهان هما الوَجْهَانِ المذكوران، فيما إذا اختلف المُتَبَايِعَانِ فقال البائع: بِعْتُكَ هذا العَبْدَ، وقال المشتري: بل هذا العَبْدَ الآخَر، أو هذه الجَارِيَةَ، على ما بَيَّنَّا في البَيْعِ في باب التَّحَالُفِ، فإن قلنا: لا تَحَالُفَ، فيصدق الزَّوْجُ بيمينه، في أنه لم يُصْدِقْهَا أُمَّهَا، وتَحْلِفُ هي على أنه لم يُصْدِقهَا الأَبَ، ولها مَهْرُ المِثْلِ، ويعتق الأب بإقْرَارِ الزوج بيمينه أنه أَصْدَقَهَا الأَبَ لِتَضَمُّنِهِ الإِقْرَارَ بأنه عتق عليها، ولا غُرْمَ على المَرْاْةِ؛ لأنها لم تُفَوِّتْ على الزوج شَيْئاً، فإنما عُتِقَ الأب بإِقراره، فصار كما لو قال الرجل لولد عَبْدِهِ: بعت لك أباك، وأنكر، يُعْتَقُ العَبْدُ بإقراره، وإن قلنا بالتَّحَالُفِ، فإن حَلَفَا عُتِقَ الأب بإِقْرَارِ الزوج، ولَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وليس عليها قِيمَةُ الأبَ، وَوَلاَؤُهُ مَوْقُوفٌ (١)؛ لأن الزَّوْجَ يَدَّعي أن الوَلاَءَ لها، وهي مُنْكِرَةٌ، وإن حلفت المَرْأَةُ دونه، عُتِقَ الأبوان جميعاً، أما الأَبْ فبإِقْرَارِهِ، وأما الأم فلأنا نَحْكُمُ بكونها صَدَاقاً بيمين الزَّوْجَةِ، فَيُعْتَقُ عليها، وليس عليها قِيمَةُ واحد منهما، وإن حَلَفَ الزَّوْجُ دونها وِقَّتِ الأم، وعُتِقَ الأب لإِقْرَارِهِ، ولحكمنا، بيمينه بأنه هُوَ الصَّدَاقُ، وولاؤه مَوْقُوفٌ، وإن لم يَحْلِفْ واحد منهما عُتِقَ الأب بالإِقرار، ولا تَتَمَكَّنُ من طَلَبِ المَهْرِ، لأَن من ادَّعَى شَيْئاً، وَنَكَلَ عن اليمين بعد


(١) قال الشيخ البلقيني: هذا فيه تعقب من جهة أن حلف الزوج مع نكولها بمنزلة إقرارها، وقضية ذلك ثبوت أن الأب هو المصدق، وقضية أن يكون هو المصدق أن يكون ولاؤه لها ولا يكون موقوفاً، فإن قلت هي تنكر ذلك فكيف يكون لها الولاء مع إنكارها، قلنا: إن نكلت وحلف خصمها لغى حكم إنكارها، فإن قلت ففي الوسيط ولو حلف الزوج ونكلت المرأة رقت الأم وحكم بأن الصداق هو الأب فهو شاهد لما قررناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>