للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّويَانِيُّ وغيره، وربما سَكَتُوا عن ذِكْرِ غيره، ووجهه ما روي عن ابن عُمر: -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا" (١) ويروى: "مَنْ دُعِيَ وَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ" (٢).

والثاني: أنها مُسْتَحَبَّةٌ، ويروى هذا عن مالكٍ وأحمد؛ لأن الضِّيَافَةَ للأكل، وهو إِما تَمَلُّكٌ لمال الغير، أو إِتلاف لماله بإِذنه، وعلى التقديرين، فالمَصِيرُ إلى إِيجَابِهِ بعيد، فلتحمل الأحاديث على الاسْتِحْبَابِ، وتأكيد أمر الإِجَابَةِ، وفي إجابة سائر الوَلاَئِمِ طريقان:

أحدهما: طَرْدُ القولين، وبه قال الشيخ أبو حَامِدٍ.

والثاني: القَطْعُ بعدم الوُجُوبِ.

والأظهر فيها عدم الوجوب، وإن ثبت الخِلاَفُ، وإذا قلنا بوجوب الإِجَابَةِ، فهي فَرْضُ عَيْنٍ، أو على الكِفَايَةِ؟ فيه وجهان:

أحدهما: فَرْضُ عَيْنٍ؛ لما سبق من الخَبَرِ قال في "الشامل": وهذا ظاهر المذهب.

والثاني: فرض كفاية؛ لأن المَقْصُودَ أن يَظْهَرَ الحَالُ، ويشتهر، وذلك حَاصِلٌ بحضور البَعْضِ، ثم إنما تَجِبُ الإِجَابَةُ، أو تستحب بشروط منها أن يَعمَّ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ الدَّعْوَةَ بأن يَدْعُوَ جميع عَشِيرَتِهِ، أَو جيرانه أو أهل حِرْفَتِهِ أَغْنِيَائِهِمْ وفُقَرَائِهِمْ، دون ما إذا خَصَّصَ الأَغْنِيَاءَ الإحضار روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "شَرُّ الوَلاَئِم وَلِيمَةُ العُرْسِ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وُيترَكُ الفُقَرَاءُ" (٣).

ومنها: أن يَخُصَّهُ بالدعوة بِنَفْسِهِ، أو بأن يَبْعَثَ إليه غيره، وأما إذا فتح باب الدَّارِ،


(١) متفق عليه من حديث مالك عن نافع عنه بلفظ: إذا دعي أحدكم، ولمسلم عن جابر مرفوعاً: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك.
(٢) أخرجه البخاري [٥١٧٣ - ٥١٧٩، مسلم ١٤٢٩] حديث أبي هريرة بلفظ: من لم يأته الدعوة فقد عصى الله ورسوله، وله ألفاظ عندهما، ولأبي داود من حديث ابن عمر باللفظ الذي ذكره المصنف في صدر حديث، وأخرجه أبو يعلى بإسناد صحيح، جامعاً بين اللفظين اللذين ذكرهما المصنف، فإنه قال: نا زهير نا يونس بن محمد نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجبها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله رواه مسلم [١٤٣٢] والبخاري [٥١٧٧].
(٣) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة بلفظ: شر الطعام طعام الوليمة، يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء، وهو بعض الحديث الذي قبله، وصدره موقرف، وفي رواية لمسلم التصريح برفع جميعه، وتعقبها الدارقطني في العلل، وفي الباب عن ابن عمر عند أبي الشيخ، وعن ابن عباس عند البزار، وقال الحافظ في التلخيص: ولم أره بلفظ: شر الولائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>