للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونَادَى ليحضر من يُرِيدُ، أو بعث رَسُولاً ليحضر من شَاءَ أو دَعَا إِنْسَاناً، وقال له: احضر معك من شِئْتَ، فقال لغيره: احضر، فَلاَ تجب الإِجَابَةُ، ولا تُسْتَحَبُّ؛ لأن الامْتِنَاعَ والحالة هذه لا يُورِثُ التَّأَذِّي والوحشة ومنها ألا يكون إِحْضَارُهُ لِخَوْفٍ منه، أو لِطَمَعٍ في جَاهِهِ أو ليعاونه على بَاطِلٍ، بل يكون لِلتَّقَرُّبِ، وللِتَّوَدُّدِ.

ومنها: أن يدعوه مُسْلِمٌ، وإن دعاه ذِمِّيٌّ؛ فوجهان:

أحدهما: أنه كما لو دعاه مُسْلِمٌ لإِطلاق الأَخْبَارِ.

وأصحهما: على ما ذكر المُحَامِلِيُّ أنه لا يجب، ولا يكون الاسْتِحْبَابُ في إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، كالاستحباب في إجابة دَعْوَةِ المسلم؛ لأنه قد يَرْغَبْ عن طعامه لِنَجَاسَتِهِ، وتَصَرُّفَاتِهِ الفاسدة، وتُكْرَهُ مُخَالَطَةُ الذمي ومُوَدَّاتِهِ (١).

منها: أن يدعي في اليوم الأَوَّلِ، أما إذا أَوْلَمَ ثلاثة أيام، فَالإِجَابَةُ في اليوم الثاني لا تَجِبُ، بلا خِلاَفٍ، ولا يكون اسْتِحْبَابُهَا كالاسْتِحْبَاب في اليوم الأول، إذا اقْتصَرْنَا فيه على الاسْتِحْبَابِ، وفي اليوم الثالث يُكْرَهُ.

روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الوَلِيمَةُ في اليَوْمِ الأَوَّلِ حَقٌّ، وَفِي الثَّانِي مَعْرُوفٌ، وفي الثَّالِثِ رِيَاءْ وَسُمْعَةٌ". ولو اعْتَذَرَ المَدْعُوُّ إلَى صَاحِب الدَّعْوَةِ فَرَضِيَ بتَخَلُّفِهِ زال الوُجُوبُ، وارتفعت كَرَاهِيَةُ التَّخَلُّفِ.

ولو دَعَاهُ اثنان فَصَاعِداً، أجاب الأسْبَقُ، فإذا جاءا مَعاً، أجاب الأَقْرَبُ رَحِماً، ثم الأقرب دَاراً، كما في الصَّدَقَةِ (٢)، وقد روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اجتمع دَاعِيَانِ، فأجب أَقْرَبَهُمَا إليك بَاباً، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا إليك بَاباً أقْرَبُهُمَا لَكِ جَوَاراً، فإن سبق أَحَدُهُمَا فأجب الذي سَبَقَ". وأقل الوَلِيمَةِ ما ذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغ وغيره للمتمكن شَاةٌ وبه يشعر قوله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عَوْفٍ -رضي الله عنه-: "أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" وإن لم يتمكَّنْ اقْتَصَرَ على ما يَقْدِرُ عليه، كما أَوْلَمْ -صلى الله عليه وسلم- على صَفيَّةَ بِسَوِيقٍ وتَمْرٍ، وكان في السَّفَرِ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: ثُمَّ إِنَّمَا يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ في الدَّعْوَةِ مُنْكَرٌ، وَلاَ عَلَى حِيطَانِ الدَّارِ صُورَةٌ وَلاَ فُرُشُ حَرِيرٍ، وَلاَ فِي الجَمْعِ مَنْ يُتَأَذَّى بِحُضُورِهِ، وَلاَ بَأْسَ بِصُوَرِ الأشْجَارِ وَلاَ بِصُوَرِ الحَيَوَانِ إِذَا كَانَ عَلَى الفُرُشِ، فَأمَّا عَلَى الثَّوْبِ المَلْبُوسِ وَالسِّتْرِ وَالوِسَادَةِ الكَبِيرَةِ المَنْصُوبَة فَلاَ يَجُوزُ، وَدَخُولُ مِثْلِ هَذَا البَيْتِ حَرَامٌ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، وَصَنْعَةُ التَّصْوِيرِ حَرَامٌ إلاَّ في ثِيَاب الفُرُشِ فَفِيهِ خِلاَفٌ.


(١) جزم الشيخ في باب الجزية بالحرمة قال في الخادم وهو الصواب.
(٢) ثم بالقرعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>