للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: ليس لِلضَّيْفِ التَّصَرُّفُ في الطَّعَام، بما سوى الأَكْلِ، ولا يجوز أن يَأْخُذَ منه مع نَفْسِهِ شَيْئاً، واستثنى ما إذا نَقَلَ ما يعلَم رِضَا المَالِكِ به، ويختلف ذلك بِقَدْر المَأْخُوذِ وجنسه، وبحال المُضِيفِ، والدعوة، فإن تَرَدَّدَ في أنه هل يَقَعُ في مَحَلِّ المُسَامَحَةِ، فقد أَنْشَأُوا فيه الوجهين، والظاهر التَّحْرِيمُ، وليس للضيف أن يُطْعِمَ السَّائِلَ، ولا أن يُلْقِيَ اللُّقْمَة إلى الهِرَّةِ، ويجوز أن يُلْقِمَ الأضياف بَعْضَهُمْ بَعْضاً، إلا إذا فَاوَتَ بينهم في الطعام، وليس للذين خصّصُوا بنوع أن يُطْعِمُوا منه غيرهم، ويكره للمضيف أن يفعل ذلك (١).

ولا يجوز التَّطَفُّلُ، واستثنى المتولي وغيره، وقالوا: إذا كان في الدَّارِ ضِيَافَةٌ، جاز لمن بينه وبين صاحب الدَّارِ انْبِسَاطْ أن يدخل، وَيأْكُلَ إذا علم أنه لا يشقُّ عليه، وهذا قَرِيبٌ مما سَبَقَ في (٢) وقد عرفت بهذه المَسَائِلِ أن الخِلاَفَ في أنه بم يَمْلِكُ؟ مخصوص بما يَأْكُلُهُ، ولا نقول بأنه يَمْلِكُ ما يوضع بين يديه، أو ما يَأْخُذُهُ بحال، ولو قيل به لما منع من النَّقْلِ، ومن إِطْعَامِ السَّائِلِ وسائر التَّصَرُّفَاتِ، وهي ممتنعة بالاتِّفَاقِ.

ومن آدَابِ الأَكْلِ أن يقول في الابْتِدَاءِ: بسم الله، فإن نَسِيَ، فإذا تذكَّر قال: بسم الله أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وأن يَغْسِلَ يَدَيْهِ قبل الأَكْلِ وبعده، وأن يأكل بالأَصَابع الثَّلاَثِ، وأن يَدْعُوَ لصاحب البَيْتِ، إذا أَكَلَ في ضِيَافَةٍ، روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طَعِمَ عند سَعْد بن عُبَادَةَ، فلما فَرَغَ قال: "أَكَلَ طعَامَكُمْ الأبْرَارُ، وَصَّلَتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ" (٣).

ويكره أن يَأْكُلَ الإِنْسَانُ مُتَّكِاً، وأن يأكل مما يلي أَكِيلَهُ، وأَن يأكل من وسط القَصْعَةِ، وأعلى الثَّرِيدِ ونحوه، ولا بَأْسَ بذلك في الفواكه وأن يغيب الطعام وأن يَقْرِنَ بين التَّمْرَتَيْنِ، وما في معناهما (٤)، وأن يأكل بِشِمَالِهِ، وأن يَتَنَفَّسَ في الإِنَاءِ، أو يَنْفُخَ


(١) صرح الماوردي وغيره بتحريم الزيادة على الشيخ وإنه لو زاد لم يضمن قال الأذرعي، وفيه وقفة.
قال ابن عبد السلام: ولو كان الضيف يأكل كعشرة مثلاً ومضيفه جاهل بحاله لم يجز أنه أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في المقدار.
قال: ولو كان الطعام قليلاً فأكل لقماً كباراً مسرعاً حتى يأكل أكثر الطعام ويحرم أصحابه لم يجز له ذلك.
(٢) بياض في الأصل.
(٣) أخرجه أحمد من طريق عبد الرازق (في المسند ٣/ ١٣٨). والبيهقي في (السنن الكبرى ٧/ ٢٨٧ كتاب الصداق) باب: الدعاء لرب الطعام.
(٤) أي يكره ذلك. قال النووي في شرح مسلم: الصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ويحصل الرضى بالتصريح به أو ما يقوم مقامه من قرينة حال أو دلالة عليه بحيث يعلم يقيناً أو ظنا قوياً أنهم يرضون به، ومتى شك في رضاهم فحرام. وإن الطعام =

<<  <  ج: ص:  >  >>