قال في الخادم: ويحصل الجواز في ثلاث صور: إحداها: إذا قرن الآكلون. ثانيها: إذا سامحوه بذلك. ثالثها: إذا كان القارن هو المالك فله ذلك. (١) قال النووي: هذا الذي قاله من تأويل النهي على حالة السير، قد قاله ابن قتيبة والمتولي، وقد تأوله آخرون بخلاف هذا. والمختار أن الشرب قائماً بلا عذر خلاف الأولى، للأحاديث الصريحة بالنهي عنه في "صحيح مسلم". وأما الحديثان الصحيحان عن علي وابن عباس. رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب قائماً، فمحمولان على بيان الجواز جمعاً بين الأحاديث. وقد اعترض على أحاديث النهي بأشياء باطلة، أوضحت جوابها في شرح "صحيح مسلم". ويكره الشرب من فم القربة. ومن آداب الأكل: حمد الله تعالى في آخره. وكذلك في آخر الشرب فيقول: "الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مكفور ولا مودَّع، ولا مستغنى عنه ربنا". ثبت ذلك في "صحيح البخاري" عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقوله، وقد جاءت في هذا أذكار كثيرة في الصحيح وغيره، وقد جمعت مقاصدها في كتاب "أذكار الطعام" من كتاب "الأذكار"، وشرحت فيه هذه الألفاظ أحسن شرح وأوجزه، مع جمل مما يتعلق بالأطعمة. وقوله: ربنا، يجوز بالرفع على الابتداء، وبالنصب على الاختصاص أو النداء، وبالجر على البدل من قوله: الحمد لله. وإذا أكل جماعة، فمن الأدب أن يتحدثوا على طعامهم بما لا إثم فيه، ويكره أن يتمخط ويبصق في حال أكلهم إلا لضرورة، ويكره أن يقرب فمه من القصعة بحيث يرجع من فمه إليها شيء. ويستحب أن يلعق القصعة، وأن يلعق أصابعه، وأن يأكل اللقمة الساقطة ما لم تتنجس ويتعذر تطهيرها، للأحاديث الصحيحة في ذلك. والأولى أن لا يأكل الشخص وحده، وأن لا يرتفع عن مؤاكلة الغلام والصبيان والزوجة، وأن لا يتميز على جلسائه بنوع إلا لحاجة، كدواء، ونحوه، وأن يمد الأكل مع رفقته ما دام يظن لهم حاجة إلى الأكل، وأن يؤثرهم بفاخر الطعام، كقطعة لحم وخبز لين، أو طيب ونحو ذلك، وقد سبق استحباب التسمية في أول الطعام، وهي مستحبة لكل آكل، حتى الحائض والنفساء. وينبغي أن يجهر بها جهراً يسمعه رفقته سماعاً محققاً، ليقتدي به فيها، وليتنبه غيره لها ويستحب لكل واحد من الجماعة، أن يسمي. فإن سمى واحد من الجمع، أجزأ عن الباقين، نص عليه الشَّافعي رضي الله هـ عنه، وقد ذكرته في "كتاب الأفكار" وفي "طبقات الفقهاء" في ترجمة الشَّافعي، وهو شبيه برد السلام، وتشميت العاطس، فإنه يكفي قول أحد الجماعة. ومن ترك التسمية عامداً أو مكرهاً، أو لعارض آخر، ثبم تمكن في أثناء أكله، سمى، كما لو نسيها، وسبق مثله في الوضوء، والتسمية في المشروب كالمأكول. ولا بأس بقوله: لا أشتهي هذا الطعام، أو ما اعتدت أكله، لحديث الضب. ويستحب لمن حضر وهو صائم ولم يأكل، أن يدعو لأهل الطعام، ويستحب الترحيب بالضيف وحمد الله تعالى على حصوله ضيفاً عنده، وسروره به، وثناؤه عليه لجعله أهلاً لتضييفه. ففي "الصحيحين"، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه".