للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَيجُوزُ نَثْرُ السُّكَّرِ وَالْتِقَاطُهُ فُعِلَ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ هُوَ كَالصَّيدِ من يُثَبِّتْ عَلَيْهِ يَدَهُ لَمْ يُسْلَبْ مِنْهُ، وَمَنْ وَقَعَ في ذَيْلِهِ وَقَدْ بَسَطَهُ لِذَلِكَ يُؤْخَذِ مِنْهُ، فَإِنْ سَقَطَ كَمَا وَقَعَ فَفِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَبْسُطهُ لِذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يجوز نَثْرُ السُّكَّر وِالجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، والتَّمْرِ، ونحوها في الإِمْلاَكَاتِ، وهل يُكْرَهُ؟ فيه وجهان:

أحدهما: ويُحْكَى عن مالك نعم؛ لأنه يُؤْخَذُ باخْتِلاَسٍ، وانْتِهَابٍ، وقد يُؤَدِّي إلى الوَحْشَةِ والعَدَاوَةِ، ولأنه قد يَأْخُذُهُ من غَيْرُه أَحَبُّ إلى صاحب النِّشَارِ، وهذا هو المذكور في طَائِفَةِ من كُتُبِ الأصحاب منها "الشامل" و"التتمة".

وأرجحهما: أنه غير مَكْرُوه، لكن الأولى (١) تَرْكُهُ، وقد رُوِيَ عن جَابِر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حَضَرَ في أَمْلاَكٍ، فأتى بأَطْبَاقٍ عليها جَوْزٌ وَلَوْزٌ تَمْرٌ، فنثرت فقبضنا أيدينا، فقال: مالكم لا تأخذون، فقالوا: لأنك نَهَيْتَ عن النُّهْيَ فقال: "إِنَّمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْ نُهْبَى العَسَاكِرِ، خُذُوا عَلَى اسْمِ اللهِ -تَعَالَى- فَجَاذَبَنَا وَجَاذَبْنَاهُ" (٢)، ويروى عَدَمُ الكراهية عن أبي حَنِيْفَةَ، وابن المنذر، وعن أحمد روايتان كالوجهين، ووضع الحناطي وأبو الفَرَجِ الزاز الخِلاَفَ في الاسْتِحْبَاب، فيخرج من الطريقين ثَلاثَةُ أوجه مُسْتَحَبٌّ، مَكْرُوهٌ، وهذا ولا ذاك.

والْتِقَاطُ النِّشَارِ جَائِزٌ، لكن تركه أَوْلَى، إلا إذا عرف أن النَّاثِرَ لا يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ، ولم يقدح الالْتِقَاطُ في مُرْوءَتِهِ (٣).


(١) قال في الخادم: الذي نص عليه الشَّافعي في الأم وأطبق عليه جمهور الأصحاب الكراهة إلى آخر ما ذكره.
(٢) رواه البيهقي عن معاذ بن جبل وفي إسناده ضعف وانقطاع.
ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة عن معاذ نحوه، وفيه بشر بن إبراهيم، ومن طريقه ساقه العقيلي وقال: لا يثبت في الباب شيء، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات [٢/ ٢٦٥] ورواه فيها أيضاً من حديث أنس وفيه خالد بن إسماعيل وهو كذاب، وأغرب إمام الحرمين فصححه من حديث جابر، وهو لا يوجد ضعيفاً فضلاً عن صحيح، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن الحسن والشعبي: أنهما كانا لا يريان بأساً بالنهب في العرسات والولائم، وكرهه أبو مسعود وإبراهيم وعطاء وعكرمة.
(٣) قال الشيخ البلقيني: نص في الأم في آخر باب شهادة المقاذف على كراهته فقال؛ وإذ نثر على الناس في الفرح فأخذه بعض من حضر لم يكن هذا مما يجرح به شهادة أحد لأن كثيراً يزعم أن هذا مباح حلال لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه فأما أنا فأكرهه لمن أخذه من قبل أن يأخذه من يأخذه ولا يأخذه إلا فعليه لمن حضره وإما يفضل قوة وإما يفضل قلة حياء والمالك لم يقصد =

<<  <  ج: ص:  >  >>