للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي حامد حكايته وجه: أنه يجب عليه القَسْم بينهن ولا يجوز له الإِعراض، ويمكن أن يجيء مثله في الواحدة. ولو بات عند بعضهن لزمه مثل ذلك للباقيات تسويةً بينهن، فلو لم يفعل عصى؛ روِيَ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا كَانَتْ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ أَوْ سَاقِطٌ" (١).

وَإِذَا سَوَّى في الظاهر لم يُؤَاخذ بزيادة ميل القَلْب إلى بعضهن؛ روي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يَقْسِمُ بين نسائه، فيعدل ويقول: "اللَّهُمَّ، هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلاَ أَمْلِكُ" (٢) يعني القلب.

ولا تجب التسوية في الجماع، فإنه يتعلق بالنشاط والشهوة وهي لا تواتي في كل وقت فيه لكن الأحبَّ التسوية فيه، وفي سائر الاستمتاعات، ولو قسم بينهن مدة وسوى ثم أعرض عن جميعهن جاز كما في الابتداء.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَتَسْتَحِقُّ المَرِيضَةُ وَالرَّتْقَاءُ وَالحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالمُحْرمَةُ وَالَّتِي آلَى مِنْهَا زَوْجُهَا أَوْ ظَاهَرَ وَكُلُّ مَنْ بِهَا عُذْرٌ شَرعِيٌّ أَوْ طَبَعَيٌّ لأَنَّ المَقْصُودَ الأُنْسُ وَالسَّكَنُ دُونَ الوِقَاعِ، أَمَّا النَّاشِزَةُ فلاَ تَسْتَحِقْ، فَلَوْ كَانَ يَدْعُوهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ فَأَبَتْ وَاحِدَةٌ سَقَطَ حَقُّهَا، وَإِنْ كَانَ يُسَاكِنُ وَاحِدَةً وَيَدْعُو البَاقِيَاتِ فَفِي جَوَازِ ذَلِكَ تَرَدْدٌ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّخْصِيصِ، وَالمُسَافَرَةِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ نَاشِزَةٌ، وإنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ في غرَضِهِ حَقُّهَا قَائِمٌ وَتَسْتَحِقُّ القَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ في غَرَضِهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ في القَوْلِ الجَدِيدِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: المقصود بيان من تستحق القَسْمَ، وفيه صُوَرٌ.

إحداها: تستحق المريضةُ (٣) القَسْم وكذلك الرَّتقاء، والقرناء، والحائض،


(١) أخرجه أحمد والدارمي وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم واللفظ له، والباقون نحوه، وإسناده على شرط الشيخين قاله الحاكم وابن دقيق العيد، واستغربه الترمذي مع تصحيحه، وقال عبد الحق: هو خبر ثابت، لكن عليه أن هماماً تفرد به، وأن هماماً رواه عن قتادة فقال: كان يقال، وفي الباب عن أنس أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان.
(٢) تقدم.
(٣) قال الشيخ البلقيني: يستثنى من استحقاق المريضة صورة واحدة وهي: ما إذا أراد السفر بجميع نسائه فتخلفت واحدة للمرض، فإنه لا قسم لها وإن كانت تستحق النفقة صرح به الماوردي في باب السفر من هذا الباب وقال: إن المحبوسة في حق وجب عليها لا قسم لها كما لا نفقة لها، وقد ذكر الرافعي مسألة النفقة في التفليس والنفقات. ونقل في التفليس عن فتاوى ابن الصباغ أنه إن ثبت بالبينة لم تسقط وصورها في دست استدانته بغير إذن الزوج واختار في التفليس السقوط في صورتي البينة والإقرار وأطلق في النفقات أنه لا نفقة لها وقياس ذلك أنه لا قسم لها ويزاد في القسم شيء آخر: وهو أنها إن استحقته في الحبس لزم أحد أمرين. أما الإِضرار بالزوج أو ترفه المحبوسة وإنها تمنع منه كما سبق في التفليس في نظيره من الرجل عن فتاوى ابن الصباغ =

<<  <  ج: ص:  >  >>