والثاني: لا؛ لأنَّه لم يجر له ذكر والتزام، وليس كالنكاح فإن المقصود هناك ألا يعري استباحة البُضْع عن المال، ولذلك ثبت على قول وإن نفي، وهذا أوْفَقُ لما ذكره في "التهذيب"، فإن قلْنَا: إن مطلقه يقتضي المال، فإن جعلناه فَسْخاً أو صريحاً في الطلاق، أو كنايةً ونوى، وَجَب مهر المثل، وحصلت البينونة، وان جعلْنَاه كناية ولم ينو لغا وإن قلْنا: إنَّه لا يقتضي المال، فإن جعلناه فسخاً لغا؛ لأن الفسخ بالتراضي لا يكون إلاَّ على عوض، هكذا حكاه الإِمام وغيره عن الأصحاب، وذكَرُوا أن مَسَاق كلامهم أنَّه لو لغا العِوَض في الخلْع لم يَصِحَّ الخُلْع على قول الفسخ، قال: والقياس الحقُّ صحته بلا عوض؛ فإن النكاح إذا نفي فيه الصَّداق انتفى على الأصح، ومن قال بوجوبه قال؛ إذا جرى المسيس وَجَبَ لا مَحَالَة ما يجب بالعقد؛ رعايةً لحُرْمة استحقاق البُضْع، ومثل هذا المعنى لا يتحقق في الفَسْخ، وهو في وضعه مستغنٍ عن العِوَض، ولو جعلناه طلاقاً إما صريحاً أو كنايةً، ونوى، فهو طلاق رجعيٌّ، لكن في افتقاره إلى القبول وجهان:
أحدهما: وهو المذكور في الكتاب أن يفتقر إليه؛ لأن لفظ المخالعة يستدعي القبول، وقد يحتاج إلى القَبُول، وإن لم يَثْبُت المال، كما في مخالعة السفيه، وأشبههما -وهو المذكور في "التهذيب"- والراجِحُ عند الإِمام أنَّه لا حاجة إليه؛ لاستقلال الزوج بالطلاق الرجعيِّ، ثم الخلاَف فيما إذا قال: خَالَعْتُكِ، وأضمر التماس جوابها، وانتظر قبولها، أما إذا قال: خَلَعْتُ أو قال خَالَعْتُ، ولم يضمر التماسَ الجواب، فلا حاجة إلى القَبُول، كما لو قال: قاطعتك أو فارقتك، ولو قال: فَارَقْتُكِ، وأضمر التماس القَبُول، فقضية الوجه المذكور اعتبار القبول هذا هو الترتيب المذكور في الكتاب فيما إذا أطلق المخالعة، ولم يَذْكُر مالاً، وعَبَّرَ بعضهم عن الغرض بطريق أقصر من هذا فيقال: إن جعلنا الخُلع فسخاً، ولم تقبل فهو لَغْوٌ، وإن قَبِلَتْ فتحصل البينونة بمهر المثل أو لا تحصل الفرقة فيه وجهان، وإن جعلناه طلاقاً فهو طلاقٌ رجعيٌّ، أما من غير نية إن جعلناه صريحاً، أو تشترط النية إن جعلناه كنايةً.
ولو نوى المال ولم يذكره، فإن قلنا: إن مطلقه لا يقتضي المال، فهل تؤثر النية في ثُبُوت المال، فيه وجهان يقْرُبَان من الخلاف في انعقاد البيع ونحوه، بالكنايات، فإن قلنا: تؤثر، ثَبَت المال، ولا بدّ فيه من نيتها أيضاً، وإن قلنا: لا تؤثِّرُ فيقع الطلاقُ، ويلغى فيه المال، أو لا يَقَع, لأنَّه نوى الطلاق على المال لا مطلقاً، ذكروا فيه وجهَيْن، وفي "فتاوى" صاحب "التهذيب" ذكر وجهَيْن فيما إذا اختلعت نَفْسَها على ما بقي لها من الصَّدَاق وخالعها الزوج عليه، ولم يبق لها عليه شَيْء أنَّه هل تحصل البينونة بمَهْر المثل تخريجاً على الخلاف فيما إذا تخالَعَا من غَيْر تسمية مال، ورجَّح القول بالحصول، هذا ما يتعلق بما في الكتاب من تفريع القولَيْن.