للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه في "التَّتِمَّة" أنَّه لا يقع ويغلب معنى المعاوضة، وقد سبق في "البيع" أنَّه لو قال: بِعْنِي هذا بألف، فقال: بعْتُه بخمسمائة، لا يصحُّ ويمكن أن يقدَّر فيه خلاف؛ لأنا حكينا في البيع عن "فتاوى القَفَّال" أنَّه لو قال: بِعْتُكَ بألف دِرْهَمٍ، فقال: اشترَيْتُ بألف وخمسمائة درهم، أنَّه يصح البيع والصورتان متشابهتان، هذا بيان ما قال الأصحاب بأن الخُلْع معاوضةٌ، وفيه شائبةُ التعليقِ من جانب الزوج، وشائبةُ الجَعَالةِ من جانب الزَّوْجَة، وقد ظَهَر أن الغالب عليه أحكام المعاوضات وربما تولجها شيء من أحكام التعليق والجَعَالة, لأن العرق نَزَّاعٌ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَتَا: طَلِّقْنَا وَارْتَدَّتَا فَأَجَابَهُمَا ثُمَّ عَادَتَا إِلَى الإِسْلاَمِ صَحَّ الخُلْعُ وَإِنْ تَخَلَّلَ كَلِمَةَ الرِّدَّةِ وَهَذَا الكَلاَمُ اليَسِيرُ لاَ يَضُرُّ.

قال الرَّافِعِيُّ: قصد بهذه القضيَّة الكلامَ فيما إذا تخلَّل بين الإِيجاب والقَبُول في الخُلْع كلام آخرُ، وهذا شيء ولو أخره إلى ذكْر الصيغة لَكَان أحْسَنَ، وقد مر في "البَيْع" وغيره، أنَّه لا ينبغي أن يتخلل بَيْن الإِيجاب والقبول كلامٌ لا يتعلق بهما، فإن تخَلَّل، بَطَل الارتباطُ بينهما، وذلك في الكَلاَم الكثير، فأما الكَلاَم اليسير، فقد أطلق الإِمام فيه حكايةَ وجهَيْنِ (١)، فقال: الصحيح أنَّه لا بأس به، واحتج محتجون لهذا الوجه منهم القاضي الحسين -رحمه الله- بأن الشافعيَّ -رحمه الله- نَصَّ على أنَّه لو قالت له امرأتاه: طَلِّقْتَا بألف، ثم ارتَدَّتَا، ثم طلقهما، كان الطلاق موقوفاً فإن رجعتْ إلى الإِسلام في العِدَّة لزمَهُما، ونَحْن نشرح هذه المسألة [أوَّلاً] , ثم نرجع إلى ما يتعلق بالاحتجاج بها على المَقْصد المذكور، ونقدم على شرحها أنَّه إذا سألت المرأة الواحدة الطَّلاَق بعوض ثم ارتدتْ عَقيبَ السؤال، ثم أجابَها الزوج، فينظر؛ إن كان قبل الدُّخُول فتتنجز الفُرْقَة بالردة، ولا يقع الطلاقُ ولا يلزم المَال، وإن كان بعد الدخول، فالطَّلاق موقوفٌ، فإن أصرَّتْ إلى أن انقضت العدة، فلا طلاق ولا مال، وإن عادت إلى الإِسلام، بَانَ وقوع الطلاق، ولزم المال، وتُحْتَسَب العدة من وقت الطلاق، ولو قالَتْ له امرأتاه: طَلِّقْنا بألْف، وارتدَّتَا، ثم أجابهما، فإن لم يكن دخل بهما لغا الطلاق، وكذا لو كان قد دخل بهما وأصرتا إلى انقضاء العدة، دمان عادتا إلى الإِسلام قبل انقضاء العدَّة، تبين وقوع الطلاق عليهما.

وقال الحناطي: ويحتمل أن يقال: لا يقع ويجعل اشتغالهما بكلمة الرِّدَّة إعْراضاً ورجوعاً عن ذلك الالتماس، وفي العوض الواجب على كل واحدة، الخلاف المذكور في الفصْل السابق، وإن أصرت إحداهما، وعادت الأخرى، لم يَقَعِ الطلاقُ على


(١) في ز: فيقال.

<<  <  ج: ص:  >  >>