الطلاقُ عليهما رجعيّاً وإن أجاب الأخرى وقع بائناً، وأصول هذه الصورة قد تقدَّمَتْ.
وقوله وأنْتُمَا طَالِقَتَانِ عَلَى ألْفٍ إنْ شِئْتُمَا كقوله:"طَلَّقْتُكُمَا علَى ألْف" في جميع ذلك.
ومنها الجُنُون والصِّغَر، فقبول المجنونة والصغيرة اللَّتانِ لا تمييز لهما لَغْوٌ، ويلغو قول الزوج لها: أنْتِ طالِقٌ على كذا, ولو قال ذلك لصغيرة مميِّزَةٍ فقَبِلَتْ ذلك ففيه وجْهَان:
أحدهما: أنَّه لا يقع الطلاق أصْلاً؛ لأنها ليست أهلاً للقبول ولا عبرة بعبارتها بخلاف السفيهة.
والثاني: أنَّه يقع رجعيّاً كما في السفيهة ويكتفى بقبولها للوقوع كما اكْتِفُيَ بقبول السفيهة، وإن لم تكن أهلاً للالتزام، والوجهان قريبان من الوجهين فيما إذا قال للصبيَّة أنْتِ طالقٌ إن شئت، فقالت: شئْتُ أو هما هما والوجْه الأول أظهَرُ عنْد الإِمام والمصنِّف -[رحمهما الله]- وهو الذي أورده في الكتاب، ورجَّح صاحب "التهذيب" الثانِيَ، ويؤيده أن أبا سعْدٍ المتولِّيَ ذكر أن هذا الخلاف مبنيٌّ على القولين في أن الصبيَّ هل له عمر؟ والأصحُّ في تلْك المسألة أن له عمراً.
ومنْها: مرَضُ الموت، فإذا اختلعت في مرض الموْتِ نُظِرَ إن اختلعتْ بمهر المثل، أو أقَلَّ، نفَذَ ولم يعتبر من الثلث، وقد مَرَّ في خُلْع المكاتَبَة أنَّ الخُلْع تبرُّعٌ وقضيته أن يعتبر من الثُّلُث، وإن كان بمهر المثل، أو أقلَّ، قال الأئمة، التصرُّفِ على المريض أوسَعُ وملْكُه أتَمُّ؛ ألا ترى أن له أنّ يَصْرِفَ المال إلى ملاذه وشهواته، وأنَّه يجوز له نكاحُ الأبْكَار بمهور أمثالهن، وإنْ لم يقدِرْ على الاستمتاع بهِنَّ، وأنَّه يجب عليْه نفقةُ الموسرين، والمكاتَبُ لا يتصرف إلاَّ بقَدْر الحاجة، ولا يجب عليه إلاَّ نفقةُ المُعْسِرِين ونُزِّلَ الخلعُ في حق المكاتَبَةِ منزلةَ التبرُّعات, لأنه من قبيل قضاء الأوطار الَّذي يُمْنَع منه المُكَاتَب دون المريض، وإن اختلعت بأكثر من مهر المثل، فالزيادة، كالوصية للزوج، فتعتبر (١) من الثلث، ولا تكون كالوصية للوارث؛ لخروجه بالخُلْع عن أن يكون وارثاً، فإذا اختلعتْ بعبد قيمتُه مائةٌ ومهر مثلها خمسمون، فقد حابت بنصف العبْد، فيُنْظَر، إن خرجت المحاباة من الثُّلُث، فالعبد كلُّه للزوج عوضاً ووصيةً، وحكى الشيخ أبو حامد وجْهاً آخر أن له الخيارَ بَيْنَ أن يأخُذَ العَبْد وبين أن يفْسخ العقْد فيه، ويرجع إلى مَهْر المثل؛ لأنه دخل في العقد على أن يكون كلُّ العبد عوضاً، وقد صار بعضُه عوضاً، وبعضُه وصيةً، والظاهر الأول؛ لأن الخيار إنَّما يثبت للتشقيص، والعَبْدُ له بتمامه، وإن لم يخرج من الثلث، بأن كان عليها دَيْن مستغرقٌ، لم تصح المحاباة،