انحرف إلى جهة القبلة لا تبطل صلاته، وكيف تبطل وقد توجه إلى الجهة التي هي الأصل، فإذا المراد ما إذا حرف الدابة عن صوب الطريق إلى غير جهة القبلة، أو انحرف عليها وهكذا قيده سائر الأئمة، وإنما حكمنا بالبطلان لما ذكرنا من كون هذه الجهة قائمة مقام جهة القبلة، وإن حرف الدابة أو انحرف عليها إلى غير القبلة ناسيًا؛ فإن تذكر وعاد على قرب لم تبطل صلاته، وإن طال الزمان فوجهان كما ذكرنا في استدبار المصلي على وجه الأرض ناسيًا، والأصح البطلان.
ولو أخطأ وظن أن الذي توجه إليه طريقه فهو كما لو انحرف ناسيًا للصلاة، ولو انحرف إلى غير القبلة لجماح الدابة فهذه الصورة تشبه ما لو أماله غيره قهرًا، فإن طال الزمان بطلت صلاته، وذكر الشيخ أبو حامد، أنها لا تبطل، كما ذكر في النسيان: فقوله: (بطل) معلم بالواو كذلك (وإن قصر) فقد حكى في الكتاب: فيه وجهين، كما رويناه في سورة الإمالة ولم يأت إمام الحرمين بحكاية الخلاف في الجماح، لكن قال: قد ذكرنا في مثل هذه الصورة خلافاً فيمن يصرف عن القبلة، والظاهر هاهنا أن الصلاة لا تبطل؛ لأن جماح الدابة مما يعم به البلوى، بخلاف صرف الرجل فهو نادر لا يعهد، وإن أراد أن الظاهر القطع بهذا والامتناع من تخريجه على الخلاف في سورة الصرف؛ لأنه قال -بعد الفرق بين الصورتين-: ولهذا قطع الأئمة بأن جماح الدابة في زمن قريب لا يبطل الصلاة، ولم أر ما يخالف هذا للأصحاب فالأمر على ما ذكرناه، فإذا بحثت وجدت كتب الأصحاب متفقة على أن الصلاة، لا تبطل في سورة جماح الدابة، إذا ردها على القرب، على أن الأكثرين سووا بين صورة النسيان وصورة الجماح، سواء منهم الحاكم بالصحة عند طول الزمان والحاكم بالبطلان، ويتبين من هذا أن المصنف كالمنفرد برواية الوجهين في بطلان الصلاة عند قصر المدة في سورة الجماح، فاعلم ذلك.
الثالثة: إذا لم يحكم بالبطلان في النسيان والجماح فهل يسجد للسهو؟ أما عند النسيان فقد ذكر في الكتاب أنه يسجد للسهو عند قصر الزمان، وهكذا حكى الصيدلاني، والإمام وصاحب "التهذيب" ووجهه: أن [الانحراف](١) عمداً مبطل للصلاة، فإذا اتفق سهوًا اقتضى سجود السهو، لكن الشيخ أبا حامد في طائفة حكوا عن نص الشافعي -رضي الله عنه- أنه لا يسجد للسهو إذا عاد عن قريب، فإن طال الزمان فحينئذ يسجد، فليكن قوله:(يسجد للسهو) معلماً بالواو، لذلك، وأما عند الجماح فمنهم من قال: لا يسجد إذا لم نحكم ببطلان الصلاة، لأنه لم يوجد منه ترك مأمور ولا فعل منهي، والذي وجد فعل الدابة، ومنهم من قال: -وهو الأظهر- يسجد، وفعل الدابة كفعله، وطريقة الشيخ