أبي حامد هاهنا كما في النسيان، فالحاصل في الجماح ثلاثة أوجه:
الأول: يسجد. الثاني: لا يسجد.
الثالث: يفرق بين أن يطول الزمان أو يقصر، وفي النسيان لا يحصل إلا وجهان، وهذا كله متفرع على ظاهر المذهب وهو أن السهو في النافلة يقتضي السجود كما في الفريضة، وحكى قول: أنه لا مدخل لسجود السهو في النافلة بحال، هذا تمام الكلام في استقبال الراكب على السرج ونحوه.
وأما كيفية إقامة الأركان فليس عليه وضع الجبهة على عُرف الدابة، ولا على السرج، والإكاف لما فيه من المشقة وخوف الضرر من نزقات الدابة، ولكن ينحني للركوع والسجود إلى الطريق، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
قال إمام الحرمين: والفصل بينهما عند التمكن محتوم، والظاهر أنه لا يجب مع ذلك أن تبلغ غاية وسعه في الانحناء، وأما كيفية سائر الأركان، فبينة.
الحالة الثانية: أن يكون الراكب في مرقد ونحوه يسهل عليه الاستقبال وإتمام الأركان، فعليه الاستقبال في جميع الصلاة كراكب السفينة، إذ لا مشقة عليه في ذلك، وينبغي أن يتم الركوع والسجود أيضاً، فلو اقتصر على الإيماء كان بمثابة المتمكن على الأرض إذا تنفل مضطجعاً مقتصراً على الإيماء، وفي جوازه وجهان مذكوران في موضعهما، وحكى القاضي ابن كج عن نص الشافعي -رضي الله عنه- أنه لا يلزم الاستقبال ولا إتمام الركوع والسجود في المحمل الواسع، كما لا يجب على راكب السرج ذلك، وفرق بينه وبين راكب السفينة، بأن حركة راكب السفينة لا تؤثر فيها، وحركة راكب الدابة تؤثر في المحمل فيخاف الضرر، فإذاً قوله:(أتم الركوع والسجود) ينبغي أن يعلم بالواو لما رواه ابن كج أو للوجه الصائر إلى تجويز التنفل مومياً مضطجعاً، ألاَّ يريدَ بقوله:(أتم) أنه يلزم ذلك؛ بل يريد أنه الأحسن والأولى، والظاهر إرادة اللزوم.
قال الرافعي: لما فرغ من الكلام في استقبال الراكب وكيفية إقامته الأركان، اشتغل بالكلام فيهما في حق الماشي، وقد حكى الأصحاب على طبقاتهم عن نصِّ الشافعي -رضي الله عنه- أن الماشي يركع ويسجد على الأرض ولا يقتصر على الإيماء، لسهولة الأمر عليه، بخلاف الراكب فإن إتمامهما عسير عليه، أو متعذر، والنزول لهما أعسر وأشق، وزاد الشيخ أبو محمد فحكي ذلك عن نصه أنه يقعد في موضع التشهد أيضاً، ويسلم، ولا يمشي إلا في حال القيام، وتابعه إمام الحرمين