للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسمَّى مما لا يمكن تمليكه، فلا يجري أو لا يستحسن فيه لفْظُ الإِعطاء؛ ألا ترى أنَّه لا يقال: أعطاه حرَّا, ولا يمكن تمليك المغصوب، ولا جمع المشترك، وطرد هذا الخلاف في العبد المرهون والعبد المستأجر (١) من غيره.

ولو قال: إن أعطيتِنِي هذا العبْدَ المغصوبَ، فأعطَتْه، ففيه خلافٌ مرتَّبٌ وأوْلَى بأن يقع وهو الظاهر؛ لأنَّ التصريحَ بالغَصْب يدل على أنَّه لم يقْصِدْ مهْر المثل، [ولو قال إن أعطيتني زق خمر أو خنزير فأنت طالق فقد سبق أنها إذا أتت به بانت ووجب مهر المثل] فإن أتَتْ بخمرٍ مغصوبةٍ، وذلك بأن كانت محترمةً فإن قلنا في العَبْد المغصوب أنه يقع الطلاق، فهاهنا أَوْلَى وإن قلنا: لا يقع هناك، فهاهنا وجْهَان:

أظهرهما: الوقوع؛ لأن الإِعطاء هاهنا مضافٌ إلى ما لا يتأتى تمليكه.

والثاني: المَنْعُ، ويحمل على ما تختص به يداً كما حمل لفظ العَبْد على ما تختص به ملكًا, ولو قال: إن أعطيتني هذا الحُرَّ فأنْتِ طالقٌ، ففي "البسيط" وغيره ما يقتضي جَعْلَه على الخلاف: وجْه عدم الوقوع أن الإِعطاء تمليك، وإضافة التمليك إلى الحُرِّ فاسدةٌ، فصار كما لو قال: إن صلَّيْت وأنْت محدِثَةٌ أو بِعْتِ الخَمْر فأنْتَ طالقٌ، لا يقع الطلاق بصورة الصلاة والبيع، وإذا قلنا بالوقوع فيقع رجعيّاً أو بائناً، فيه وجهان:

أحدهما: يقع رجعيّاً؛ لأن الحر لا يملك فالزوج لم يطمع في شَيْء.

والثاني: أنه كالتعليق بالخمر والمَغْصُوب، وهذا أشبه بما مر في المسائل المناظرة لهذه في الخلع والصداق، ورجح صاحب الكتاب الأَوَّلَ، ولو قال: إن أعطيتني هذا العبد [أو] (٢) والثوب، فأنتِ طالقٌ، فأعطته طُلِّقَت، وملكه الزوج، فإن خرج مستحقاً أو مكاتباً، فهل يتبين أن الطلاق لم يقع، فيه وجْهان كما ذكرنا في صورة الإِطلاق، ولكنَّ الأصحَّ هاهنا الوقوع؛ لمكان التعيين، والإِشارة وقَرُبَ الوجهان من الوجهين، فيما إذا وكَّل رجلاً بشراء عبد معين، فاشتراه وخرج معيباً، هل يستقل بالرد؛ لأنَّه بالتعيين قطع نظره واجتهاده وإذا قلنا: إن الطلاق واقع فالرجوع إلى مهر المثل في أصح القولين، وإلى قيمة العبد في الثاني وإذا وجده معيباً فله الردُّ، وعن ابن أبي هريرة أنا إذا قلنا: إن الرجوع إلى القيمة، فيجيء هاهنا وجْهُ أنه لا يرد بل يرجع بالأَرْش، فإذا ردّ عاد القولان في أن الرجوع إلى مهر المثل، أو إلى قيمته سليماً وذكر في "التهذيب" أنه لو قال لامرأته الأمَةِ إن أعْطَيْتِني ثوباً، فأنتِ طالقٌ، فأعطته ثوباً لم تطلَّقْ؛ لأنها أعطتْ ما لا تملك (٣) فإن قال إن أعطيتني الثوب، فأعطته طُلِّقت، وفيما عليها القولان، وهذا


(١) قال النووي: يجري الخلاف في المستأجر إذا لم يجوز بيعه، وإلا فهو كغيره.
(٢) في ز: و.
(٣) تقدم في كلام الشيخ عن المتولي عكس ذلك وقرر به.

<<  <  ج: ص:  >  >>