للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قال: خالعْتُكِ على ألفٍ، ولم يذكر جنساً من الدراهم والدنانير وغيرهما، فالذي نقله في الكتاب أنَّه لا يحتمل هذا الإِبهام في الخُلْع أيضاً وإن اتفقا على جنْسٍ واحدٍ ونوعٍ واحدٍ؛ لأن المذكور هاهنا مجرَّد العَدَد والمعدود غير المذكور، وعند ذكر الدراهم لا يبقى الإِبهام إلاَّ في الصفات، وإذا اشتد الإِبهام وجَب إلاَّ يُحْتَمَلَ كما في سائر المجاهيل، وَهذا حَكَاه في "الوسيط" عن العراقيين، وقال: كلامُ (١) القاضي يدل على التسوية بين إبْهَام الألْف، والأجناس، وإبهام الدراهم في الأنواع، وأنَّه يُحْتَمَل هذا الإِبهام في الخُلْع، كما يحتمل ذلك الإِبهام، وأنتَ إذا تأمَّلْتَ كتب شيخي العراقيين أبِي حامِدٍ، وأبي الطيِّب وغيرها وجدتَّهَا متَّفِقَة على ما استخرجه من كلام القاضي -رحمه الله- وهو احتمال الإِبهام الألْف، وعلَّلوا بأنه المقصود أن يكون العِوَضُ معلوماً عنْد المتعاقدين، فإذا توافَقَ على شيء بالنية كان (٢) كما لو وافقا عليه بالنُّطْق.

وأُعْلِمَ قوله: لما ذكرنا "وَلاَ يُحْتَمَلُ فِي الخُلْعِ أَنْ يُذْكَرَ مُجَرَّدُ الأَلْفِ" بالواو ويغرس منه أن الأظهر احتماله، والتعليل المذكور يقتضي احتمال ذلك في البَيْع أيضاً، ويؤكد ما قدَّمْنا من احتمال إبهام الدراهم بناءً على انعقاد البَيْع بالكناية ثم حكي عن القاضي الحُسَيْن أنه لو قال: خالعتُك على ألْف شيءٍ فقبِلَتْ فالتسمية فاسدةٌ، ولا يُؤَثِّرُ تَوَافُقُ النيتين على شيءٍ؛ لأن الاحمتال في أشدُّ، فلا يحتمل، ويرجع إلى مهر المثل، وقد يوجَّه شدة الاحتمال، بأن الألْف مقتصراً عليه يفهم منه القدر المتعامَلُ به غالباً لنا، وتعقيبه بالشَّيْء يُهَوّش هذا الفَهْم؛ ألا تَرى أنَّه إذا قيل: باع فلان داره بألْف، فُهِمَ منْه النَّقْد، فإن قيل: باعَهَا بألْفِ شيْءٍ، اضطرب الفَهْم، ويمكن أن ينازع غيْر القاضي فيما ذكره، ويذهب إلى احتمال هذا الاحتمال؛ اعتماداً على ما علمه المتعاقدان وتوافقا عليه بالنية، ثم عن الشيخ أبي محمَّد أن التعيين بالنية إنما يؤثر إذا تَوَاطَأَ قبْل العقْد على ما يقصدانه باللفظ المبهم، وأنه لا أثر؛ لاتفاق التوافُقِ من غير تواطُءٍ، وأعرض مُعْرِضُون عن اعتبار ذلك وراعَوْا مجرَّد التوافق (٣)، وهذه المسائل كالتمهيد لصور الاختلاف في الخُلْع الجاري على إبهام في اللفظ، والمَقْصِد في الباب هو صورة الاخْتِلاَف في صُوَر منْها إذا قال الزَّوْج: أردنا بالدراهم النُّقْوة، وقالَتْ هي بل أرَدْنَا الفُلُوس، فوجهان أصحُّهما:

وهو المذكور في الكِتَاب أنهما يتحالفان؛ لأنه نزاع في جنْس العوض فأشْبَه ما لو اختلف فيما سمياه.

والثاني: أنَّه يثبت بمهْر المِثْل من غير تحَالُف؛ لأن هذا نزاع في النَّيَّة والإِرادة،


(١) في ب: الإِمام.
(٢) سقط في ز.
(٣) قال النووي: هذا الثاني، هو الاصح، وقول الشيخ أبو محمد هنا ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>