قال الرَّافِعِيُّ: فرَّعنا عن الكلام في أحد سببي تحريم الطلاق.
والثاني: إذا جامَع امرأته في طُهْرها، وهي ممن تحبل، ولم يَظْهَرْ حَمْلُها، حَرُم أن يطلِّقها في ذلك الطهر؛ لما رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال في قصة ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْل أَنْ يَمَسَّهَا؛ ولأنه ربما يندم على الطلاق لو ظهر الحَمْل، فإن الإِنسان قد يطلق الحامل وإذا ندم، فقد لا يتيسر التدارك، فيتضرر الوالد ويتبرأ من الوَلَد؛ ولأَنَّ عدتها لو كانت حاملاً تكون بوضع الحمل، ولو كانت حائلاً تكون بالأقْراء، وربما يلتبس الأمر وتبقى مرتابةً، فلا يتهيأ لها الزوج، واستدخالها ماءه كالوطئ؛ لاحتمال الحَمْل منْه، ولو أتاها على غيْر المأتي، ففيه تردُّد للشيخ أبي عليٍّ، والأصح: أنه يوجب تحريم الطلاق، كما يثبت به النسب، وتجب العدة، وإن ظَهَر بها الحَمْل لم يكن طلاقها بدعياً؛ لأنه إذا طلقها على علْم بالحال ووثوق بالولد، فقد وطَّن نفسه على الفراق مع حصُول الولد وبَعُدَ عروض الندم، ولو وطئها في الحيض، فطهرت ثم طلقها، فوجهان:
أحدهما: أنه لا تحرم؛ لأن لبقية الحيض إشعاراً بالبراءة.
وأظهرهما: تحرم -به قال الشيخ أبو علي- وهو المذكور في "التتمة" لاحتمال العلوق في الحيض، وكون البقية مما دفعتْه الطبيعة أولاً وتهيأ للخروج، ولو خالع الممسوسة في الطهر الذي جامعها فيه أو طلقها على مال لم يكن بدعيّاً، كما ذكَرْنا في خُلْع الحائض ويدل عليه قصَّة ثَابتِ بْن قيس؛ فإنه أطلق الإِذن، ولم يستفصل مع أن الطهر والجماع غير بعيد، وأيضاً فأخذ المال يؤكد داعيَةَ الفراق، ويبعد احتمال الندم، وفيه وجه أن الخُلْع حرامٌ هاهنا، كالطلاق مجاناً، بخلاف الطلاق في الحيض؛ فإن المنع هاهنا لرعاية أمر الولد؛ فلا يؤثر رضاها فيه، والمنع هناك؛ لما فيه من تطْوِيلِ العدَّة، فإذا رضِيَتْ أثَّر في ارتفاع المنْع، ويستحب المراجعةُ بعد الطلاق هاهنا، كما ذكَرْنا في السبب الأول، ثم إنْ راجَعَها ووطئها في بقيَّة الطهر، ثم حاضَتْ وطهُرَت، فله أن يطلِّقَها، وإن لم يراجعْها حتَّى انقضى ذلك الطُّهْر أو لم يطأها فيه، فلا ينبغي أن يطلِّق في الطهر الثاني؛ لئلا تكون الرجعة للطلاق، وحكى الحناطي وجْهاً: أنه لا يستحب المراجعة هاهنا؛ ولا (١) يتأكد الاستحبابُ تأكُّده في طلاق الحائض؛ وإذا