للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَرَفْتَ ما ذكَرْنا من السببين المحرِّمَين سهُل العلْم بأن الآيسة، والصغيرة؛ وغير الممسوسة، والتي ظهر حملها لا بدعة في طلاقهن أصْلاً؛ أما الآيسة والصغيرة؛ فلأن عدتهما بالأشهر فلا يُعتبر بها طول ولا قصر، وإذا لم يكن لهما حيْض، لم يكن حمل حتى يؤثر المعنى الثاني، [و] (١) أما غير المدخول بها فلا عدَّة عليها، ولا ولد لها، وأما التي ظهر حملها فعدَّتُها بوضْع الحَمْل، ولا تختلف المدَّة في حقِّها، ولا يعرض الندم بسبب الولد، على ما تبين ولا فَرْق بين أن ترى الدم، أو لا تراه ولا إذا رأته بين أن تجْعَلَه حيضاً أو لاتجعلَهُ حيْضاً.

وعن أبي إسحاق: أنها لو كانت ترى الدم، وجعلناه حيْضاً، فقال لها: أنتِ طالقٌ للسُّنَّة، لا يقع عليها الطلاق، حتى تطهر، وعلى هذا: فللحامل حالُ بدعة، كما للحائل، والمشهور الأوَّل، وقد اشتهر في كلام الأصْحَاب أن الأرْبَع المذكوراتِ لا سنَّة في طلاقهن ولا بدعة، وذلك للعبارات السابقات في تفسير السني والبدْعِيِّ، وفي معناها ما ذكر أبو الحسن علي بْن أحمد بْن خيران في مختَصَر له مترجم بـ"اللطيف" أن السني طلاقُ المدخول بها في طُهْر لم يجامعها فيه، وليس هناك حيْضٌ ولا نِفَاس ولا حمل، والبدْعيُّ أن يطلِّقها، وهي حائض أو نفساء أو في طهر جامعها فيه، وربما أفهم كلامهم أنَّهم يعنون بقولهم: لا سُنَّة ولا بدْعَة في طلاقهن: أنه لا يجتمع في طلاقهن حالتا السنة والبدعة، حتى يكون مرة سُنِّيَّاً ومرة بدعيًّا، بل لا يكون طلاقهن إلاَّسنيّاً وعلى هذا يستمر تفيسر السني بالجائز والبدعي بالمحرم، ويغني ذلك عن التفاسير المقيّدة والمطلقة.

وقوله في الكتاب "السَّبَبُ الثَّانِي إِمْكَانُ الحَمْلِ" يبين أنه لا يعتبر خصوص الوَطْء، ولا كونه في الطهر، وإنما المعتبر أن يحدث ما يتوقع منه العمل، فيدخل فيه اسْتِدْخَال الماء، وكذا الوطء في الدبر على الأصَحِّ، كما مر، ولمتأمل أن يقول: لا يعتبر في السبب الأول أيضاً خصوصُ الوقوع في الحيض، وإنما المعتبر أن تطُولَ المدَّة، ولا يستعقب الطلاق كفر عين أوردهما صاحب "التتمة" وغيره.

أحدهما: إذا نكح حاملاً من الزنا، ووطئها وطلقها، فعن ابن الحدَّاد: أنه يكون الطلاق بدعيًّا؛ لأن العدة تقع بعد وضْع العمل، والنقاء من النفاس، ولا يشرع، عقيب الطلاق في العدة.

والثاني: إذا وُطِئَتِ المنكوحة بالشبهة، وحبلت منْه، وطلَّقها زوْجُها، وهي طاهر فالطلاق بدعيٌّ؛ لأنها لا تشرع عقيبه في العدة، وكذا لو لم تَحْبَل، وشرعت في عدة الشبهة فطلقها وقدمنا عدة الشبهة، وفيه وجه آخر: أن الطلاق لا يكون بدعيًّا؛ لأنه لم


(١) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>