للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: المَنْع، وهو الذي ذكَره القفَّال "شرح التلخيص"؛ لأن الوارد في القرآن منْهما الفِعْل دون الاسم، بخلاف الطلاق فقَدْ قال -تعالى-: {والمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: ٢٢٨].

ويجيْء في قوله: أنْتِ الفِرَاقُ وأنْتِ السَّرَاح ما ذكرْنا في قوله: أنْتِ الطَّلاَقُ من الوجهين.

ولو قال: عنيت بقولي: أنْتِ طالِق إطْلاقها من الوثاق، فقد مرَّ أنه لا يُقْبَل في الظاهر، ويدِين، وعن مالك أنَّه يُقْبَل في حال الرِّضا دون حال الغضب، ولو قال في لفظ الفِرَاق: عَنيت المفارقة: في المنزل، وفي لفظ التسريح إلى منزل أهلها، فكذلك يَدين، ولا يُقْبَل في الظاهر وكذا لو قال: أردتُّ خطاب غيرها، فسَبَق لسانِي إلَيْها.

ولو صرَّح بذلك فقال: أنْتِ طالقٌ من الوثاق أو سرَّحْتكِ إلى موضع كذا، أو فارقتك في المَنْزل خرج عن كونه صريحاً، وصار كناية قال في "التتمة": وهذا في ظاهر الحُكم، وأمَّا فيما بينه وبين الله تعالى، فإنَّما لا يقع الطلاق إذا كان على عزْم أن يأتي بهذه الزيادة، من أول كَلاَمِه، فأما إذا قال: أنْتِ طالقٌ، ثم بدا له فوصَلَ به هذه الزيادة فالطلاق واقع به في الباطن، ولو لم يكن في عزمه في الابتداء، ثم عَرَض على هذه الزيادة في أثناء الكلام، فوجهان سيأتي نظيرهما في "الاستثناء" وغيره، وكذَلِكَ مَوْضِع التديين فيما إذا لم يتلفظ بالزيادة، وقال نَوَيتُها، إذا كان ناوياً من الابْتِدَاء دون ما أحدثت إلَيْه بعد تَمَام الكلام، وإن حَدَث في أثنائه فعَلَى الوجهيْن.

وقوله في الكتاب: "إنَّ الصريح لَفْظ الطلاقِ وكذا السَّراح والفِرَاق" وقد يظن أن قولَهُ: "وَكَذَا السَّرَاح والفِرَاقُ" معطوف على قوله: "أن الصَّرِيحَ لَفْظُ الطَّلاَقِ" لكن قولنا: "الصريح لفظ الطلاق" جملةٌ تفهم الحصر فإذا عطف عليها قولُه "وَكَذَا السَّرَاحُ والفِرَاقُ" كانت هذه جملةً حاضرةً أيضاً وحينئذٍ فتنافي كل واحدة صاحبتها فإذَن قوله: "السَّراح والفِرَاق" معطوف على قوله: "لَفْظ الطَّلاق" وحْدَه لا على قوله: "الصريحُ لَفْظُ الطَّلاَقِ" وكأنَّه قال: الصريحُ لفْظُ الطَّلاَق والسَّرَاحُ والفِرَاقُ، وهو ما اشتهر في كلام الأصحاب أن صرائح الطلاق ثلاثة وقضية هذا الحصر أن لا يكون الخُلْع صريحاً في الطلاق، وفيه خلاف قد يقدَّم (١)، وألا يكون قوله: "حَلاَلُ اللهِ عَلَيَّ حَرَامٌ صريحاً" وفيه خلافٌ سيأتي.

وقوله "أنْتِ مطلقَةٌ" يجوز إعلامه بالحاء والواو؛ لما سبق، وقوله "دُون المُشْتَقِّ مِنَ الإِطْلاَقِ" بالواو، وقوله: "لَيْسَ بِصَرِيحٍ" بالحاء والميم، ما يجوز أن يُعاد على قوله "صريحان" الحاء والميم الموضوعان على قوْلِه، وكذا الفراقُ والسَّرَاح.


(١) قال في الخادم: ما أورد على الحصر مردود، أما الخلع فإن مأخذ صراحته ذكر المال ولو خلا عنه فليس بصريح على المذهب والمعقود له الباب، إنما هو الطلاق الخالي عن العوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>