للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأشْبَه لفظ البائن والحرام، وتكلم الإِمام على ما قيل إن القرآن وَرَد بِهما؛ بأنه لم يرد مَوْرِدَ بَيَانِ اللفظ، وإنما هو مَسُوقٌ لغرض آخر، فهو كقَوْل القائل: حقّ الضيفِ أن يُكْرَم أو يُسَرَّح، لا يعني به، أنَّه يقال له: سَرَّحْتُك، ومعنى هذا المعنى حاصل في لفظ الطلاق أيضاً، إلاَّ أن يعَوَّل فيه على العُرْف اللغوي، وليعلَّم بما ذكرنا قوله في الكتاب "وَكَذَا لفظ السَّرَاحُ وَالفِرَاقُ" بالحاء والواو، ويجُوز أن يعلَّم بالميم أيضاً؛ لأن "صاحب الشامل" حكى عن أصحاب مالك -رحمهم الله-: أنهما ليسا بصريحين، ولكن لا يفتقر إلى النِّيَّة، كما في الكنايات الظاهرة على ما سيأتي، وهذا كلام من يفسر الصريح والكناية، بغير ما قدَّمناه من التفسير.

إذا تقرَّر ذلك فقوله: أنْتِ طالقٌ أو مطلَّقة أو يا طالقُ أو يا مطلقةُ صريحٌ، وعن أبي حنيفة -رحمه الله- أن قوله يا طالق أو يا مطلقة ليس بصريح، وفي "شرح مختصر الجويني" وجه مثْله غريبٌ، والمشتق من الإِطلاق كقوله: أنتِ مطلقةٌ بإمكان الطاء أو يا مطلقةُ ليس بصريح، لعدم الاشتهار، وإن كان الإِطلاق والتطليق متقاربين كالإِكرام والتكريم، وفي "العُدَّة" حكايةُ وجه: أنَّه صريح وفي قوله أنْتِ طلاق أو الطلاق أو طلقة وجْهان:

أحدهما: وبه قال أبو حنيفة ومالك -رحمهما الله- أنَّه صريحٌ، كقوله يا طالقُ.

وأصحُّهما وبه قال القَفَّال: أنه مصْدَر، والمصادر غيْر موضوعة للأعيان، وتستعمل فيها على سبيل التوسُّع.

ولو قال: أنْتِ نصْف طالق، فهو كناية أيضًا وذكر في "التهذيب" أن قولَهُ لك طلقة صريحٌ، وأن قوله: أنت نصْف طالق صريحٌ، كقوله نصفك طالقٌ، ونَقَل أبو الحسن العبَّادي خلافاً في قوله أنت طالقٌ نصْفَ طلقة، ويجوز أن يجيْء، هذا الخلاف في قوله: أتتِ نصْفُ طالق (١) وقوله: أنْتِ والطلاق، أو (٢) أنت مطلقة كناية أي قرنت بينك وبينها، وإذا قلْنا بالظاهر في لفظي الفرَاق والسَّرَاح، فقوله: فارقْتُكِ وسرَّحْتُكِ صريحان، وفي الاسم منهما، وهو المفارقة والمسرحة وجْهان، سواءٌ الوَصْف بأن قال: أنْتِ مُسَرَّحة، أو مُفَارَقَة، والنداء بأن قال يا مسرَّحة أو يا مفارَقَة.

أصحُّهما: أنهما صريحان أيضاً؛ كالمطلقة.


(١) قال الشيخ البلقيني: هذا ليس بمسلم، فإن قوله أنت نصف طالق كقوله: أنت طالق، وهو صريح قطعاً، وقوله: أنت نصف طلقة كقوله: أنت طلقة، وفيه خلاف أنت الطلاق، وأنت طلاق لأنه إخبار بالمصادر عن الحدث، فجرى الخلاف فيه بخلاف أنتِ طالقٌ. انتهى.
(٢) في ز: و.

<<  <  ج: ص:  >  >>