للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صريحٌ في معْناه؛ لاشتهاره فيه لغةً وشرعاً، والسَّرَاح والفِرَاق صريحان أيضاً؛ لورودهما في الشرع، وتكررهما في القرآن بمعنى الطلاق؛ قال تعالى: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: ٤٩] وقال تعالى: {فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] وقال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} [النساء: ٣٩] واحتج الأصحاب أيضاً بأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: سُئِلَ عن قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] فقيل أين الثالثة فقال: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (١) [البقرة: ٢٢٩] فسمَّى التسريحَ طلاقاً، وبأنه إزالة ملك، فلا ينحصر صريحُه في لفْظ واحدٍ قياساً على العِتْق.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: السَّرَاح والفِرَاق وليْسا بصريحين، ويُحْكَى هذا قولاً عن القديم، ونسبه أبو الحسن العَبَّادي إلى رواية أبي عبْد الرحمن القزاز السمرقندي -رحمه الله- ووجهه بان هذين اللفظين لم يشتهرا في الطَّلاق، ويستعملان فيه وفي غيره،


= السؤال ذكره في المهمات فقال في الركن الثالث: القصد إلى الطلاق يشترط أن يكون قاصداً بحروف الطلاق لمعنى الطلاق ولا يكفي القصد إلى حروف الطلاق من غير قصد معناه، فإن قيل كيف يجتمع هذا مع قولهم أن الصريح لا يحتاج إلى نية بخلاف الكتابة، قلنا: جمع بينهما بعض فضلاء العصريين بان الصريح يشترط فيه قصد اللفظ والمعنى، والكتابة يشترط أيضاً أن يكون الإِيقاع بذلك اللفظ ويؤيد هذا الجمع ما نقله عن إسماعيل البوشنجي أنه إنما يقع الطلاق بقوله أنت عليّ حرام، إذا نوى حقيقة الطلاق. وقصد بهذا اللفظ وقد تقدم أنه لا بد أيضاً من العلم بمدلول اللفظ، ومقتضاه أنه لا يكفي قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق. انتهى.
قال في الخادم: عدم اشتراط النية في الصريح مخصوص بغير الوكيل وبغير المكره، أما الوكيل في الطلاق فهل يشترط نية إيقاعه الطلاق عن موكله؟ له وجهان غير مرجحين، وينبغي أن يكونا فيما إذا كان للموكل زوجة وترجح الاشتراط لتردده بين زوجتين، فلا بد من مميز، أما إذا لم يكن له غيره ففي اشتراط النية نظر لتعين المحل القابل للطلاق من أهله، وأما المكره على الطلاق إذا قصد الإِيقاع وقع على الأصح. فقد صارت نيته شرطاً في عمل الصريح.
قال الرافعي هناك أن صريح لفظ الطلاق عند الإِكراه كالكتابة عند الطواعية إن نوى وقع وإلا فلا.
وقال في الخادم أيضاً بعد ذلك قال في البحر نقلاً عن ابن القاص: كل كتابة ينوي فيها إلا واحدة وهي إذا قال أطلقت امرأتك أو امرأتك طالق، فقال نعم، وقع الطلاق في الحكم ولا يعتبر نية وفي قول تعتبر، وقال المزني في المنثور: يلزمه في الحكم، وهذا مما استخير الله تعالى فيه، والصحيح أن لا ينوي فيه في الحكم لأن جواب الصريح صريح ويكون تقديره نعم طلقت امرأتي، ولهذا لو قال لفلان: عليك ألف، فقال نعم، كان إقراراً، فالطلاق أولى بذلك.
(١) أخرجه الدارقطني من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس، وصححه ابن القطان، وقال البيهقي: ليس بشيء، ورواه الدارقطني أيضًا والبيهقي من حديث عبد الواحد بن زياد عن إسماعيل ابن سميع عن أنس، وقالا جميعاً: الصواب عن إسماعيل عن أبي رزين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، قال البيهقي: هذا رواه جماعة من الثقات، قلت: وهو في المراسيل لأبي داود كذلك، قال عبد الحق: المرسل أصح، وقال ابن القطان: المسند أيضاً صحيح، ولا مانع أن يكون له في الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>