للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحبْلُكِ على عْارِبِكِ، والغارب ما تقدم من الظهر وارتفع من العُنِق، ويقال؛ هو أعلى السَّنَام، وهما متقاربان، أي خليت سبيلَكِ، وأصله في الناقة يُلْقَى خطامها على غَارِبِها؛ لترعى كيْف تشاء.

وقولُه لا أنده سَربك ونده الإِبل زجرها، والسّرب الإِبل وما يرعى من المال، أي فارقتُك، فلا أهتَمُّ بشأنك.

وقوله: اغْرُبِي واعزُبي، يقال: عَزَب عنِّي أي غاب يَعْزُب تباعد، وقوله: اخْرُجي، واذْهَبِي، وسَافِرِي، وتجنَّبي، وتجرَّدِي، وتقنَّعِي، وتستَّري، والْزَمِي الطَّريقَ، وبيني وأبْعدي، وودعيني، وَدعينِي، وبَرِئتْ منْكِ، ولا حاجة لي فِيكِ، وهو استعارةٌ وتجرعي، وذُوقِي أي مرارته، وتزوَّدي أي تعبّئي، استعدي للذَّهَاب واللحوق بأهلك، فقد طلَّقْتُك، وقد تنازع في "أن تزودي" لأنَّه أخفى ممَّا تقدَّم من الألفاظ، وفي قوله اشربي، وجهان عن أبي إسحاق، وُيرْوَى عن أبي حنيفة أنَّه ليس بكناية، ليُعد استعماله في الطلاق، وفي ابن القاصِّ، وهو الأظهر أنَّه كناية أي شراب الفراق، وُيرْوَى هنا (١) عن النَّصِّ، والأظْهَر أنَّ كلي في معناه، وعن الشيخ أبي محمَّد: القَطْع بأنه ليس بكناية، لأنه أبعَدُ عن الاستعمال في هذا السياق، وفي قوله: أغْنَاكِ اللهُ تَعَالى وجْهَان عن صاحب التلخيص؛ أنَّه كناية، لأَنَّ التفرُّق سبب الغناء، على ما قال -تعالى-: {إِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] فيجوز أن يعبِّر بأحدهما عن الآخر، وأقربهما على ما ذكره الإِمام المَنْعُ، كما لو قال: بارَكَ اللهُ فِيكَ أو دعا بدعوة أخرى.

وفي قوله " قومي" وجْهَان أيْضاً:

أصحُّهما: عند القاضي الرُّوياني وغيره، أنَّه لَيْس بكناية؛ لأنَّه لا يشعر بالمفارقة، والمذكور منْهما في "التهذيب" أنه كناية، كأنَّه يشير إلى الانتهاض، والانتفال.

وأمَّا الألفاظ التي لا دلالة لها على الطَّلاق، ولا تحتمله إلا على تأْويل متعسِّفٍ، فلا أثر لها؛ فلا يَقَع بها الطلاق، وإن نَوَى ذلك، كقوله: "بَارَكَ اللَّهِ فِيكِ، وأحْسَنَ اللهُ جزَاءَكِ" وما أحسن وجْهَكِ وَتَعَالَى، وأقْرْبُيِ واغزلي، واسقيني، وأطْعِميني، وَزوِّديني، وما أشبهها وعند صاحب "التهذيب" وصاحبَ الكتاب وغيرهما قوله: اقعدي، من هذا القبيل.

وذكر الروياني في "الحلية" أنه أصحُّ الوجهين، وحكى في "التجربة" (٢) عن أبيه أنَّه كناية؛ لأنَّه قد يريد القعود عن خدمة الزوج؛ بسبب الفراق، وأيضاً فقَد يربد القعود للعِدَّة.

وقال القاضي أبو الطيِّب: قال الماسرجسي: في القلب من قوله: زوديني شُبْهةٌ؛


(١) في ز: عن هذا.
(٢) في ب: التجزئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>