والحَبْس المؤبَّد إلاَّ أن يخوفه بالحَبْس في [قعر بئر] يغلْب منْه الموت، ويُحْكَى هذا الطريق عن اختيار القاضي الحُسَيْن.
والطريق الرابع: أنَّه يحْصُل الإِكراه بعقوبة شديدة تتعلَّق ببدنه، فيدخل فيه القتل والقطع، والضرب الشديد والتجويع والتعطيش والحبس المؤبد أو الطويل، ويخرج ما خرج عن الطريقة الثالثة، ويخرج عنه التخويف بالاستخفاف بإلقاء العمامة، والصفع في الملأ وما يخل بالجاه والمروءة، قال الذاهبون إلَيْه، وقد يختار أهل التقوى سُقُوط الجاه، ولا يبالون بمثْل ذلك، ويحيلون صعوبته عند أكثر النَّاس على الرعونة ورعاية الرسوم، والعادات، واستبعد الإِمام هذه الطريقة أن يكون التَّخْويف بالحَبْس إكراهاً، ولا يكون التخويف بقتل الولد إكراهاً. والتخويف بالنفي عن البلد، فإن كان فيه تفريقٌ بينه وبين أهْله؛ فكالحبس الدائم، وإلاَّ فوجهان:
أشبههما: أنَّه إكراه؛ لأن مفارقة الوطَن شديدةٌ؛ ولذلك شَرَع التغريب؛ عقوبةً للزاني، وجَعَل صاحبُ "التهذيب" التخويف باللواط، كالتخويف بإتْلاف المال وتسويد الوجه، وقال: لا يكون ذلك إكراهاً في القتل والقطْع، وهل يكون إكراهاً في الطَّلاق والعتاق وإتلاف المال فيه وجهان:
وأمَّا ما يتعلَّق بالكتاب، فقَدْ عرَفْتَ أن المذكور فيه الطريقان الأوليان للأوجه الثلاثة ونظْم الكتاب يقتضي ترجيح الأوَّل منْهما، وقد صرَّح به الإِمام توجيهاً بأن الطريقة الثانية لا تَكَاد تنضبط، فإن الضَّرْب المخَوفُ به يختلف بقوة المُكْرَه وضعفه في احتمال الآلام، وقدر المال المخوف بإتلافه يختلف بطباع الأشخاص بَذْلاً وبُخْلاً، وما يُبْلِل الجاه يختلف باختلاف مراتب أصْحَاب الجاه والمروءة، ويجر ذلك إلى ضبط عظيم، وإلى هذا المعنى إشار في الكتاب بقوله:"والطريقة الأُوْلَى أضمُّ للنَّشَر وهذه أوْسَعُ" والنَّشَر بالتحريك المنتشر، يقال: رأيتُ القَوْمَ نَشَراً أي منتشرين.
وليعلم قوله "وكذلك تخويف ذوي المروءة بالصَّفْع في الملأ" بالواو؛ للخلاف الذي تقدَّم، وخُصِّص بذي المروءة؛ لأنَّه لا يكون إِكراهاً في حقِّ المتبذِّل الذي لا يبالي مثْله بمثله، وكذا لفْظ الطلاق من قوله:"التخويف بإتلاف المال لا يُعَدُّ إكراهاً في القَتْل والطلاق" والظاهر أنه إكراه فيه وكذا قوله "ويعد إكراهاً في إتلاف المال".
فروع: لا يَحْصُل الإِكراه بالتخويف بالعقوبة الآجلة، بأن يقول: لأَقْتُلَنَّكَ أو لأضربنك، غداً ولا بأن يقول؛ طَلِّق امرأتك، وإلاَّ قتلت نَفْسِي، أو كَفَرْتُ أو أفسْدَتُّ