والثاني: أنَّه لا يقَع، حتى يريده، وهذا شيْءٌ غريبٌ، ثم الوجه التسوية بَيْنَهُ وبين سائر الصفات، فلا يقع الطَّلاق إذا قال: ظلك أو طريقُكِ أو صُحْبَتُك طالقٌ، وكذا لو قال: نَفَسُكِ طالقٌ.
قال في "التتمة"؛ لأن النَّفَس أجزاء الهَوَاء يَدْخل الرِّئَة، ويخرج منها، وأنَّه ليس بجزء منْها, ولا صِفَة لها، وكذا لو قال: اسْمُكِ طالقٌ.
قال في "التتمة" إلاَّ أن يرِيد بالاسم وُجودَها وذاتها، فيقع.
ولو قال: رُوحُكِ طالقٌ وقع الطَّلاق، فإنَّه الأصْل، وقد يُعَبَّر به عن الجُمْلة، وبمثله أجاب مُعيبون فيما إذا قال: حياتُكِ طالقٌ، منهم الإِمام وصاحب الكتاب.
قال الإِمام: ولا يَتَخَبَّطَنَّ الفقيه في الرّوح والحياة، فيقع فيما لا يعنيه، يَعْنِي الخَوْض فيماَ ليْس من شأن الفقهاء.
وفي "التهذيب": أنَّه إذا قال: حياتُكِ طالقٌ يقع إن أراد الرُّوح، فيشترط الوقوع إرادة الروح إشعاراً، بأنه لو أراد المَعْنَى القائِمَ بالحَيِّ، لا يقع الطلاق، كما في سائر المعاني، وبهذا أجاب أبو الفَرَج الزازَ في الحياة، وحكى في الرُّوح خلافاً مبنياً على أن الرُّوح جسم أو عرض، ويُشبه أن يقال: الظَّاهر في الحياة أنَّه لا يقع، وفي الروح أنَّه يقع والله أعلم.
قال الإِمام: ولو أضَافَ الطَّلاق إلى الأخْلاَط المنسلكة في البَدَن؛ كالبلغم والمرتين، فهُوَ كَمَا لو أضاف إلى الفَضَلات دُون ما أضَاف إلى الدَّم.
ثم اختلف الأصحاب في أنَّه إذا أضاف الطَّلاق إلى جُزْء شائعٍ أو إلى عُضْو معيَّن، فحكَمْنا بوقوع الطَّلاق كيف نقدره وننزله، فمنهم من قال: يقع الطلاقُ على المُضَاف إلَيْه أولاً ثم يَسْرِي إلى باقي البَدَن، كما أنَّ العتْق يسري من بعْض العبْد إلى بعْض، ومنهم من قال: يُجْعَل الجزء أو العضو المعين عبارة عن الكُلِّ, لأنَّه لا يُفْرض حُصُول الطَّلاق في المضاف إليه وحده، حتى يُقَدَّر سراية إلى الباقي بخلاف العِتْق؛ فإنَّه قد يثبت في الجزء المشاع، ويقتصر عليه؛ ولأنَّه لو قال وأنْتِ طالقٌ نصْفَ طلقة يقع طلقة، ويُجْعَل النصف عبارةً عن الكُلِّ، ولا يمكن أن يقال: يقع النصْف، ثم يَسْري حُكْمُه، فكذلك هاهنا، وتَظهَر فائدةُ الخِلاَف في صور.
منها: لو قال: إن دخلْتِ الدار، فيمينك طالق، فقطعت يمينها ثم دخَلت الدار، إن قلْنا: يقع الطلاقُ على المضاف إليه، ثم يَسْري، لم يقع هاهنا؛ لأن المُضَاف إلَيْه لم يبق، وإن قلنا إنَّه عبارةٌ عن الكُلْ، ولو قال: لمن لا يمين لها، يمينُكِ طالقٌ، فطريقان: