للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً فإن الفِعْل والاسْم المشتقين من المصْدَر يُشْعِران به، ويدُلاَّن عليه، والمصْدَر يَصْلُح للواحد والجنْس، فكأنا محتملين للعدد، وإذا جَاء الاحْتمَال وانضمت النِّيَّة إلَيْه، وجَب أن يقَع.

ولو قال: أنتِ طالقٌ واحدةً بالنصب،، ونوى طلقتين أو ثلاثاً، ففيه وجوه:

أحدها: أنه لا يقع إلاَّ واحدة؛ لأنَّ الملفوظ مناقضٌ للمنويِّ، والنية بمجرَّدها وسع اللفْظ الذي لا يحتمل لا تعمل، وهذا أصحُّ عنْد صاحب الكتاب.

والثاني: يقع ما نواه، ومعْنَى قوله: "واحدة" أنَّك تتوحدين منى بالعدد الَّذي أوقعته، ويُحْتمل أيضاً أن يُحْمل على طلْقة ملفقة من طلقتين أو ثلاثة، وحينئذٍ فيَقَع ذلك العدد، وهذا أصحُّ عند صاحب "التهذيب" وغيره.

والثالث: ويُحْكَى عن اختيار القفَّال: أنَّه [إن] بسط نيَّة الثلاث على جميع اللَّفْظ، لم يقع الثلاث، وإن نوى الثلاث بقوله: أنتِ طالقٌ وقع الثلاث، ولُغِيَ ذكْر الواحدة بعْده، وُيبْنَى هذا الفرْق على الصحيح فيما إذا قال: أنتِ طالقٌ، ولم يكن في عزْمه أن يقول: إنْ شاء الله، ثم لمَّا فرغ من اللفظ، بَدَا لَهُ أن يستثني، [فاستثنى] (١) يقع الطلاق، ولا نُعْمل الاستثناء، فإن جعلْناه عاملاً رافعاً (٢) للطَّلاق، ولم ينوِ، فُرِّق بين الحالتين.

ولو قال: أردتُّ طلقة واحدةً ملفقة من أجزاء، ثلاث طلقات، وقع ثلاث طلقات، وارتفع الخلاَف، وحَكَى الإِمام -رحمه الله- وجهاً أيضاً لبعد هذا المعْنَى عن الفهم، وقصور اللفْظ عن احتماله والدلالة عليه، ولو قال: أنتِ طالقٌ واحدةٌ بالرفع، فهذا إتباع الصفةِ الصفَةَ، وهو على ما ذَكَر في "النهاية" مبنيٌّ على ما إذا قال: أنتِ واحدةٌ بحذف الطلاق، ونوى الثلاث وفيه وجهان:

أصحُّهما: وقوع ما نواه؛ حمْلاً للتوحيد على التوحيد، والتفرُّد عن الزوج بالعدد المنويِّ، ومعلوم أن المطلَّقة تارة تتوحد عن الزوْج بطلقة وأُخْرَى بأكْثَر منها.

والثاني: المَنْع؛ لأن السَّابق إلى الفَهْم من قوله: أنْتِ واحدةٌ: أنَّك طالقٌ واحدة، كما لو قال: أنْتِ الطلاق أي طالقٌ الطلاقَ، ولفظ الواحدة ينافي الثلاث ورأى الإِمام تخصيص هذا الوجه بما إذا نَوَى الثلاث عن غير [أن] يخطر له حَمْل الواحدة على الاحتمال المذكور، فإن خَطَر، فينبغي أن يُقْطَع بالوقوع.

وذكر في "التهذيب" أنه لو قال: أنتِ بائن باثنتين أو ثلاث، ونوى الطلاَقَ وقع الطلاق، ثم إنْ نوى طلقتين أو ثلاثاً، فذاك، وإن لم يَنْوِ شيئاً، وقَع الملفوظ؛ لأنَّ ما


(١) سقط في ز.
(٢) في ب: راقعاً، وفي أ: واقعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>